The Reverse Orientalism in Novel Chicago by Alaa Al Aswany
Subject Areas : Literary criticism
1 -
Keywords: Orientalism, reverse Orientalism, self and other, Chicago novel, Alaa Al Aswany,
Abstract :
Following the publication of the book Orientalism and the new and controversial definition presented by Edward Said for this term, a new field of study emerged under the title "Postcolonial Studies". From the perspective of Said, Orientalism is a type of Western thinking regarding the cultural product to establish dominance and possess power and control over the East, by creating ontological binaries between East and West, with the aim of placing the West in the position of the "superior self" and the Eastern individual in the position of the "backward other," thus providing the West with a justification for dominance over the non-Western world under the banner of "the necessity of delivering the message of civilization to the East." In contrast, since the late twentieth century until now, a counter movement has emerged in Eastern countries, which the Syrian thinker “Sadiq Jalal al-Azm” referred to as "reverse Orientalism," seeking to invert the foundations of Orientalism through an ontological separation, similar to Orientalism, to position the West as the subject and the other. Accordingly, this study aims to reveal the aspects of reverse Orientalism in the novel Chicago through an in-depth postcolonial reading of its narrative elements. One of the most important findings of this study is that novel "Chicago" practiced reverse Orientalism in its stark form by placing American society, as the subject, in the position of the uncivilized other; this was achieved through the mechanisms of "conceptual leaps" and "presenting a distorted image of American characters."
آزاده شاهمیری: نظریه و نقد پسااستعماری. زیرنظر فرزان سجودی. نشر علم: 1388.
آنیا لومبا، سایمون گیکاندی، جان مارکس و ... . مطالعات پسااستعماری. گزیده و ترجمة جلال فرزانه دهکردی و رامین فرهادی. دانشگاه امام صادق (ع): 1391.
منابع عربی
حسن حنفی: مقدمة في علم الإستغراب. الدار الفنیة: 1991.
شهلا العجیلی: الخصوصیة الثقافیة في الروایة العربیة. الدار المصریة اللبنانیة: 2011.
جورج طرابیشی: شرق وغرب: رجولة وأنوثة (دراسة في أزمة الجنس والحضارة في الروایة العربیة). دار الطلیعة: 1997.
نبیل سلیمان: أسرار التخییل الروایی. اتحاد الکتاب العرب: ؟.
مقالات فارسی
• احمد ساعی. «مقدمهای بر نظریه و نقد پسااستعماری». مجلة دانشکدة حقوق و علوم سیاسی. شمارة 73، پاییز 1385.
• مسلم عباسی و مسعود آریایینیا. «دیرینهشناسی علوم انسانی در گفتار پسااستعماری». فصلنامة تحقیقات فرهنگی. دورة دوم، شمارة 6، تابستان 1388.
• رضا شیرازی. «مطالعات پسااستعماری: نقد و ارزیابی دیدگاههای فرانتس فانون، ادوارد سعید و هومی بابا». فصلنامة مطالعات سیاسی. سال دوم. شمارة 5. پاییز 1388.
• فرید قائمی و فاطمه اسماعیلی. «رمان ماجراهای حاجی بابا اصفهانی و شرقشناسی پسااستعماری». مطالعات ادبیات تطبیقی. سال چهارم. شمارة 13.
• لیلا تفرشی مطلق. «مطالعات پسااستعماری در ادبیات مهاجرت». فصلنامة تخصصی علوم سیاسی. شمارة دهم.
• شعله وطنآبادی. «گفتمان پسااستعماری». مجلة ادبیات و زبانها. شمارة 18 و 19 و 20. فروردین و اردیبهشت 1392.
• جواد اسحاقیان. «سووشون و نظریة پسااستعماری». پایگاه اینترنتی ماندگار. 1389.
• مسعود درودی و سید صدرالدین موسوی. «مطالعات پسااستعماری: عرصهای برای علوم انسانی بومی». فصلنامهٔ روششناسی علوم انسانی. سال هجدهم، شمارهٔ 70. 1391.
الاستشراق المعكوس في رواية شيكاجو لـعلاء الأسواني
كمال باغجري
أستاذ مشارك للغة العربية وآدابها في مجمّع الفارابي بجامعة طهران، قم، إيران
kbaghjeri@ut.ac.ir
تاريخ الاستلام: 21/11/1446ق تاريخ القبول: 21/01/1447ق
الملخص
عقب صدور كتاب الاستشراق والتعريف الجديد والمثير للجدل الذي قدّمه «إدوارد سعيد» لهذا المصطلح، نشأ حقل دراسي جديد تحت عنوان «دراسات ما بعد الكولونيالية» أو «دراسات ما بعد الاستعمار». فمن منظور هذا المفكّر الفلسطيني-الأمريكي، إنّ الاستشراق هو عبارة عن نوع من التفكير الغربي في المنتوج الثقافي الشرقي لإقامة الهيمنة وامتلاك السلطة والسيطرة على الشرق، من خلال خلق ثنائيات أونطولوجية بين الشرق والغرب، بهدف وضع الغرب في موقع «الأنا المتفوّقة» (صاحب الحضارة) والإنسان الشرقي في موقع «الآخر المتخلّف»، ليجد الغرب بذلك ذريعة للهيمنة على العالم غير الغربي تحت عنوان «ضروة إيصال رسالة الحضارة إلى الشرق». في المقابل، ومنذ أواخر القرن العشرين حتى الآن، نشأت حركة معاكسة في البلدان الشرقية أطلق عليها المفكّر السوري «صادق جلال العظم» اسم «الاستشراق المعكوس» يسعى إلى قلب أسس الاستشراق عبر فصل أونطولوجي، شأنه في ذلك شأن الاستشراق، ليضع الغرب في موقع الموضوع والآخر. بناء على ذلك، تهدف هذه الدراسة إلى الكشف عن مظاهر الاستشراق المعكوس في رواية شيكاجو للكاتب المصري «علاء الأسواني» عبر قراءة ما بعد كولونيالية معمّقة للعناصر السردية لها. ومن أهم النتائج التي توصّلت إليها هذه الدراسة هي أن رواية شيكاجو مارست الاستشراق المعكوس في شكله الصارخ من خلال وضع المجتمع الأمريكي، بوصفه موضوعاً، في موقع الآخر غير المتحضّر؛ وذلك عبر آليتي «القفزات السردية» (من الحاضر إلى الحقب التاريخية السوداء والمروّعة في تاريخ الولايات المتحدة) و«التمثيل المشوّه للشخصيات الأمريكية».
الكلمات الدليلية: الاستشراق، الاستشراق المعكوس، الآنا والآخر، رواية شيكاجو، علاء الأسواني
المقدمة
إشكالية البحث
قدّم إدوارد سعيد في كتابه الاستشراق تعريفاً جديداً لهذا المصطلح، ممّا شكّل بداية مجال دراسات جديدة تحت عنوان "ما بعد الاستعمار". ففي فكر هذا المفكر الفلسطيني-الأمريكي، يُعدّ الاستشراق نوعاً من الأسلوب الغربي في إقامة الهيمنة وامتلاك السلطة والسيطرة على الشرق من خلال خلق الثنائيات بين الشرق والغرب، حيث يسعى الغرب إلى وضع نفسه في مقام "الأنا المتفوقة" ووضع الإنسان الشرقي في مقام "الآخر الأدنى"، ليجد بذلك ذريعة للهيمنة على الأراضي غير الغربية. لكن في الوقت نفسه، لقد حذّر إدوارد سعيد نفسه وبعض المنظرين والمفكرين في مجال ما بعد الاستعمار مثل "غاياتري سبيفاك" من انعكاس أسس الاستشراق في التفكير الشرقي وتحوّل "الغرب" إلى مفهوم ثابت وأيديولوجي باسم "الآخر"؛ غير أنّ هذه المقاربة الأيديولوجية تجلّت بالفعل (بشكل أو بآخر) في أواخر القرن العشرين في كتابات العديد من الكتّاب والمفكرين الشرقيين ممّن حوّلوا "الغرب"، في أعمالهم الفكرية أو الأدبية وفي إطار نظرة ثابتة أيديولوجية، إلى موطن الفساد والانحلال والانحرافات الجنسية والأخلاقية. يُعدّ "جلال صادق العظم" من أهم المفكّرين الذين قاموا بتنظير هذه النظرة الأحادية الأيديولوجية الثابتة وجعلها ضمن مفهوم "الاستشراق المعكوس" في كتابه الاستشراق والاستشراق معكوساً.
لو نظرنا في الأعمال السردية العربية من منظور الاستشراق المعكوس، لوجدنا كمّا هائلاً من الروايات التي تقدّم نظرة ثابتة أيديولوجية للآخر الغربي يمكن جعلها ضمن مفهوم الاستشراق المعكوس. ومن أبرز الأعمال التي يمكن اعتبارها مثالاً واضحاً على "الاستشراق المعكوس" هي رواية شيكاجو للكاتب المصري علاء الأسواني. تتضمّن الرواية عدة خطوط سردية متوازية تحكي قصة شخصيات متنوعة في مدينة شيكاغو الأمريكية. وكما كان المستشرقون الأوائل، من خلال اختلاق مفهوم ثابت وأيديولوجي باسم "الشرق" يعتبرون البلدان الشرقية موطناً للعنف، والوحشية، والفوضى، والشهوانية، والكسل وغيرها من الصفات المذمومة، فإنّ كاتب رواية شيكاجو ومن خلال وضع مفهوم ثابت باسم "الغرب" قد صوّر الحضارة الغربية على أنها غارقة في الأزمات الفكرية والأخلاقية والسلوكية.
أسئلة البحث
بناء على ذلك، يسعى البحث الحالي إلى تحليل مظاهر الاستشراق المعكوس في رواية شيكاجو والآليات التي يقوم الكاتب عبرها بتقديم نموذج فكري قائم على التمييز الإبستمولوجي والأنطولوجي بين الشرق والغرب. والسؤال الرئيسي لهذا البحث هو:
- كيف تجلّى الاستشراق المعكوس في رواية شيكاجو وما الآليات السردية التي توظّفها الرواية لوضع المجتمع الأمريكي والحضارة الغربية في مكانة "الآخر"؟
خلفية البحث
حتى الآن، لم يُجرَ أي بحث، سواء كان مقالة أو رسالة جامعية، حول الاستشراق المعكوس في رواية شيكاجو. ومع ذلك، أُجريت العديد من الدراسات حول هذه الرواية يمكن اعتبار بعضها كخلفية للبحث الحالي:
- مقال «استعمار نوین و سیاست دیگرستیزی: هویت «دشمن دوست نما» در رمانهای جمهوریت، حقیقتی دروغین و شیکاگو اثر علا الاسوانی » (الاستعمار الجديد وسياسة معاداة الآخر: هوية نيران صديقة في روايتي جمهورية كأنّ و شيكاجو لعلاء الأسواني») لفاطمة برناكي وعلي سلامي (2023): تتناول هذه المقالة دراسة هوية العرب والمسلمين في مواجهة الهوية الأمريكية في روايتي جمهورية كأنّ وشيكاجو لعلاء الأسواني؛ وذلك استناداً إلى النظرية السياسية لـ"شانتال موفه" حول الديمقراطية التعددية.
- مقال «سازگاری فرهنگی مهاجران در رمان شیکاگو، اثر علاء الأسوانی؛ بر اساس نظريه فرهنگپذیری جان بری» (التكيف الثقافي للمهاجرين في رواية شيكاجو لعلاء الأسواني؛ استناداً إلى نظرية التثاقف لجون بيري) تأليف نسرين كاظم زاده وآخرين (2021). توصل الكتّاب، من خلال تطبيق نظرية "جون بيري" على رواية "شيكاجو" إلى أن الأبطال ذوي الخلفيات والاتجاهات المختلفة يتّبعون استراتيجيات متعددة مثل الانفصال، والمماهاة والاندماج من أجل التكيّف مع البيئة الجديدة.
- مقال «سیمای دیگری در رمان ثریا در اغما اثر اسماعیل فصیح و رمان شیکاگو اثر علاء الاسوانی» (صورة الآخر في رواية ثريا في الغيبوبة لإسماعيل فصیح ورواية شيكاجو لعلاء الأسواني) لـفريدة أميري دهناوي وآخرين (2015): يتناول هذا المقال كيفية مواجهة الشخصيات الشرقية في الروايتين المذكورتين للمجتمع الغربي وما يتضّمن من الحريات والديموقراطية. وبحسب رأي الكتّاب، فإن العودة إلى الذات هي الحل الذي تقدمه الروايتان لمشكلة المواجهة مع الغرب.
- مقال «ثنائية الأنا والآخر في رواية شيكاجو» لمحمود حسن محمود (2023). إن المقال، بناء على المنهج التفكيكي، يتناول قضايا عدة مثل التاريخ والحاضر والمكان والحضارة بوصفها محددات أنتجت خطاب التفكيك والأزمة للأنا العربية.
أولاً: الاستشراق المعكوس
تُعدّ الدراسات ما بعد الاستعمارية حقلاً دراسياً ومعرفياً حديث العهد نسبياً يركّز على تحليل مكوّنات الهيمنة. غير أنّها، وبدلاً من التأكيد على الاحتلال العسكري والسياسي للأراضي الأجنبية من قبل المستعمرين، يسلّط الضوء على هيمنتهم الثقافية والإعلامية. وغالباً ما يُعتبر كتاب الاستشراق لإدوارد سعيد نقطة البداية لهذا الحقل المعرفي. يقدّم إدوارد سعيد في هذا الكتاب تعريفاً جديداً للاستشراق يختلف عن الاستشراق الأكاديمي (مجال دراسة بلدان الشرق). ففي هذا التعريف، الاستشراق هو نوع من أسلوب التفكير يقوم على تمييز أنطولوجي ومعرفي بين الشرق والغرب. وعليه، فإنّ عدداً كبيراً من الكتّاب، من بينهم شعراء وروائيون وفلاسفة ومنظّرون سياسيون واقتصاديون وغيرهم، قد اعترفوا بهذا الاختلاف الجوهري بين الشرق والغرب وجعلوه نقطة انطلاق لنظرياتهم وملحماتهم وقصصهم ووصفهم الاجتماعي ومروياتهم السياسية حول الشرق والشعوب الشرقية وعاداتهم وتقاليدهم وأفكارهم ومصائرهم. (سعيد، 1995: 50 – 53) ومن خلال دراسة كتابات الباحثين والأدباء ورحّالة وغيرهم، يُظهر سعيد أنّ الأوروبيين، بعد عصر التنوير، استحوذوا على الشرق معرفياً (في كتاباتهم وقصصهم) قبل أن يسيطروا عليه عسكرياً؛ ويرى أن خطاب الاستشراق يصوّر الشرق مبدئياً على أنه "الآخر" غير المتحضّر المتخلّف، ليبرّر بذلك ومن خلال خلق أسطورة "التمدين" الاحتلالَ العسكري والسيطرة على الشرق.
لقد واجهت هذه الرؤية التي تبنّاها إدوارد سعيد حول أسس الاستشراق العديد من الانتقادات. ففي هذا السياق، قام المفكّر السوري "صادق جلال العظم" (1934-2016) في كتابه المعنون الاستشراق والاستشراق معكوساً بالتشكيك في نظرية إدوارد سعيد. وبحسب جلال العظم، فإن إدوارد سعيد في كتابه الاستشراق وقع في خطأ معرفي هو نفسه ينتقده. وبعبارة أخرى، أصبح مفهوم الاستشراق لدى إدوارد سعيد مفهوماً ثابتاً ويقينياً يسمّيه العظم "ميتافيزيقا الاستشراق"، إذ يعتقد أن ظاهرة الاستشراق تقوم على العودة من الباب الخلفي، إلى أسطورة الطبائع الثابتة بخصائصها الجوهرية التي لا تحول ولا تزول؛ وتنحصر في مقولة مطلقة: الشرق شرق والغرب غرب، ولكلّ منهما طبيعته الجوهرية المختلفة وخصائصه المميزة. (جلال العظم، 1981: 44-47) والمفارقة التي يوردها العظم هنا «أنّ أعظم ناقد للاستشراق الغربي أعاد تكريس هذا الفصل الأونطولوجي ولكن بصورة مقلوبة، عندما قلب نقطة التمركز لتصبح حول الشرق بدلاً من الغرب. وقد أطلق العظم على هذه الرؤية الاستشراقية "ميتافيزيقا الاستشراق".» (سلامي، 2016: 16) إنّ ميتافيزيقا الاستشراق، ببيان آخر، تعني تحويل واقعة تاريخية متحولة إلى حقيقة أنطولوجية ثابتة لا تتغير؛ أو لنقلْ إنّها نوع من الافتراض المسبق أو الخطاب السائد الذي يهيمن على عقلية الكاتب أو الباحث ليصف بذلك موضوعَ أدبه أو بحثه. وهكذا، يتخذ الكاتب أو الباحث حادثة تاريخية أو مشكلة اجتماعية أساساً لتفسير وضع تاريخي أو اجتماعي، متجاهلاً التعقيدات الاجتماعية وصيرورة التاريخ. (جلال العظم، 1981: 57 - 65)
يمكن ملاحظة مظاهر الاستشراق المعكوس في أعمال متنوعة، سواء كانت فكرية أو أدبية. ومن الواضح أن جنس الرواية، بسبب طبيعته اللغوية القريبة من التجربة اليومية، هو المرآة الأكثر وضوحاً لعكس هذه العقلية الأيديولوجية تجاه الغرب. ولتوضيح هذه العقلية، من الأفضل أن نستعين بمثال واقعي. فقد انتقد إدوارد سعيد في كتابه الاستشراق النظرة المتحيزة والجندرية للكاتب الفرنسي "غوستاف فلوبير" في كتاباته، ولاسيّما في وصفه امرأة مصرية تُدعى "كشك هانم" قائلاً: «هذه المرأة لم تتحدّث مطلقاً عن نفسها، ولم تصوّر قط مشاعرها أو تعبّر عن وجودها أو تاريخها، بل إنّه هو الذي تحدّث باسمها وصوّرها. وكان هو أجنبياً يتمتّع بثراء نسبي، وكان رجلاً، وهذه جميعاً حقائق تاريخية مكّنته من فرض سيطرته ومكّنته لا من امتلاك "كشك هانم" جسدياً فقط، بل أيضا التحدّث باسمها، واطّلاع قرّائه على جوانب تمثيلها للمرأة الشرقية.» (سعيد، 1995: 49) في مقابل هذه الرؤية الاستشراقية، يمكننا ملاحظة نفس النظرة الموجهة والجندرية، ولكن بشكل معاكس، في العديد من الروايات العربية التي تتناول موضوع الرحلة إلى الغرب. فعلى سبيل المثال، في رواية جسر الشيطان لعبد الحميد جودة السحار، نجد شخصية "آني"، وهي بائعة هوى غارقة في الانحطاط والرذيلة (تماماً مثل "كشك هانم")، تتأثّر بروحانية شخصية بطل الرواية "علي" (وهو شاب مصري ملتزم بالمبادئ الأخلاقية): «وراحت تؤكد لنفسها أن ذلك الرجل القادم من الشرق يختلف كلّ الاختلاف عن "ماكس" وعن كل الرجال الذين دخلوا حياتها. وطالما خيّل إليها أنّه من عصر غير هذا العصر... وحديثه غريب تفوح منه رائحة القدم، ولكنها في قرارتها ترتاح إليه... .» (جودة السحّار، 1991: 132 و133) ففي هذه القصة، يتسلّل الراوي إلى ذهن هذه المرأة الألمانية ويعبّر عن مشاعرها تجاه شاب مصري مسلم. فمن جهة، تمثّل امرأة عاهرة رمزًا لأوروبا التي -وفقًا لحبكة القصة- غارقة في مستنقع الانحطاط والرذيلة الأخلاقية وإشباع الغرائز الجنسية بشكل متزايد؛ ومن جهة أخرى، يصرخ الراوي، من خلال التغلغل في أعماق شخصية "آني" الخفية، بتفوّق روحانية الرجل الشرقي (علي) على مادية الرجال الأوروبيين (ماكس وآخرين). فإنّ هذه الصورة النمطية لبائعة هوى غربية محترفة، التي تتأثر بروحانية الشرق وتصمّم على تغيير نهجها، هي صورة منحازة أو، لنقل بشكل أدقّ، صورة معكوسة للاستشراق، إذ تقوم على فصل أونطولوجي بين الغرب المادي والشرق الروحاني. يمكن رصد مثل هذه الرؤية المنحازة في العديد من الأعمال الفكرية أو الأدبية العربية. وسنحاول في ما يلي وصف وتحليل مظاهر الاستشراق المعكوس في رواية شيكاجو لعلاء الأسواني.
ثانياً: نظرة على رواية شيكاجو
يمكن اعتبار رواية شيكاجو "رواية شخصيات"، إذ يُركَّز فيها على تقديم الصفات والتحوّلات الشخصية أكثر من الأحداث والعناصر القصصية الأخرى، بحيث «لا يُنظر إلى شخصيات الرواية كجزء من الحبكة، بل على العكس، فهي تتمتّع بوجود مستقلّ وتكون أحداث القصة تابعة لها وفي خدمتها.» (ميرصادقي وميرصادقي، 1377ش: 142) إنّ تعدد الأصوات وتنوع السرديات المتوازية في رواية شيكاجو، والتي بالطبع يصاحبها انقطاع في التسلسل الزمني الخطي، جعل من المستحيل تقريباً تلخيصها في عدة أسطر. ينصبّ تركيز هذه الرواية أكثر على صفات وخصال الشخصيات وليس على الفعل السردي. وجود اثني عشر شخصية رئيسية (جميعهم تقريباً يحظون بحصة متساوية من حجم الرواية) إلى جانب ثماني شخصيات ثانوية، هو أفضل دليل لإثبات هذا الادعاء. والحلقة التي تربط السرديات المتعددة لهذه الرواية هي مدينة شيكاغو الأمريكية وتحديداً قسم هيستولوجيا (علم الأنسجة) في جامعة إلينوي حيث تدور أحداث الرواية حول مجموعة من الطلاب المصريين المبتعثين الذين يتفاعلون مع بيئة جديدة وثقافة مختلفة، وتتشابك حياتهم مع حياة أساتذتهم الأمريكيين، وتنشأ صراعات وتوترات بين العالمين. من خلال هذه الصراعات، يواجه الطلاب تحديات تتعلق بالهوية والانتماء والاغتراب.
الاستشراق المعكوس في رواية شيكاجو
أولاً: إنتاج الآخر من خلال القفزات السردية
كما مرّ بنا، إنّ خطاب الاستشراق، وبالتركيز على خلق الثنائيات الأونطولوجية (المتحضّر/الوحشي، الفنّ الغربي/الفلكلور الشرقي، التاريخ الغربي/الأسطورة الشرقية و...إلخ) وتضخيم أسطورة الشرق الغرائبية، حوّل الشرق إلى موطن للعنف، والوحشية، والفوضى، والشهوانية، والكسل وغيرها من الصفات المذمومة. على هذا، يمكن اعتبار رواية شيكاجو مرآة كاملة للاستشراق المعكوس؛ إذ أنّها ومن خلال وضع مفهوم ثابت وأيديولوجي للغرب، تسعى إلى تصوير المجتمع الأمريكي كآخر.
الآلية الرئيسية للرواية في تقديم هذه الصورة النمطية هي التماهي بين الولايات المتحدة الأمريكية في القرن الحادي والعشرين والمستعمرين الأوروبيين في القرنين السابع عشر والثامن عشر (بريطانيا وفرنسا) إلى جانب القفزات السردية (العنوان، والغلاف، والبداية، والزمان والمكان) بين اليوم والفترات المظلمة والعنيفة من تاريخ أمريكا. وبهذا، فإنّ رواية شيكاجو تشبه بندول الساعة الذي يتأرجح باستمرار من هنا/الآن (مدينة شيكاجو في بدايات القرن 21) إلى هناك/الماضي (عصر الاستعمار الكلاسيكي والفترات السوداء والمروعة من تاريخ الولايات المتحدة) لتصوير المجتمع الأمريكي الحالي كمجتمع منهار أخلاقياً. وبعبارة أخرى، تقدّم الرواية صورة ساكنة وأيديولوجية عن الولايات المتحدة الأمريكية تتجلى في مفاهيم نمطية مثل الهيمنة، والشهوة، والانحلال، وتفكك الأسرة، والتمييز، والعنصرية، والاستهلاكية المفرطة، والعنف، وكراهية الآخر (الإسلاموفوبيا، والنظرة المعادية للعرب والشرقيين) وغيرها. يمكن رصد هذا التماهي في العديد من العناصر السردية بما في ذلك العنوان، وبداية القصة، والزمان، والمكان.
عنوان وغلاف الرواية
لقد أصبح للعنوان في السرد المعاصر دلالات تضارع النص، إذ له بنيته الإنتاجية التوليدية. والعنوان حاصل تفاعل العناصر العلامية الشفرية والمكونات الدلالية. إنّه يمثّل أولى محطات الصراع مع القارئ. وبالتالي فإنّ العنوان كنص مختزل يقيم نوعاً من التناص مع نص الرواية. (محمد الأمين الطلبة، 2008: 135) وبعبارة أخرى، فإنّ عنوان النص السردي يعدّ، قبل عملية القراءة، بنية مستقلة تتفاعل مع الخلفية الذهنية للقارئ؛ بينما يتحوّل، بعد عملية القراءة، إلى نظام تناصي يُؤول ويُفسر استناداً إلى حبكة القصة.
عنوان هذه الرواية شيكاجو (شيكاغو) هو اسم واحدة من أكبر المدن الأمريكية. لذلك، عند أول مواجهة مع العتبة النصية للرواية (مرحلة ما قبل القراءة) نواجه حضور الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها قوة مهيمنة سلطوية. وهذا الحضور الأمريكي في العنوان هو أحد الآليات المهمة التي استخدمها الروائيون العرب في العقود الماضية لتضخيم حضور الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط (بدلاً من المستعمرين السابقين) وجذب انتباه القارئ إلى الدور المحوري لهذه القوة المهيمنة في العلاقات ما بعد الاستعمارية. وفي روايات مثل نيويورك 80 لـيوسف إدريس، و أمريكانلي (على وزن عثمانلي) لـصنع الله إبراهيم، وبروكلين هايتس لـميرال طحطاوي، وأميركا لـربيع جابر وغيرها نجد الحضور الفعال للولايات المتحدة والمدن الأمريكية في العنوان.
أمّا إذا ما رجعنا إلى النص الأصلي للرواية بهدف تحليل النسيج التناصي بين العنوان والنص، سنلاحظ أن مدينة شيكاغو في الرواية مجاز مرسل (بعلاقة جزئية) عن الولايات المتحدة الأمريكية. فقد ذُكرت مدينة شيكاغو (الجزء) وأُريد بها الولايات المتحدة الأمريكية (الكل). يتوافق هذا المجاز المرسل بوضوح مع تصميم غلاف الرواية حيث يُظهر صورة غامضة لأبراج وناطحات سحاب شاهقة تقع في خلفية سوداء:
وهي صورة لا تدلّ على مدينة شيكاغو فحسب، بل على الولايات المتحدة الأمريكية كلها ولاسيّما المدن الكبرى منها مثل نيويورك ولوس أنجلوس. ففي نص الرواية غالباً ما تُعدّ مدينة شيكاغو مجازاً عن الولايات المتحدة الأمريكية، لأنه رغم أن جميع الحبكات الست تجري في هذه المدينة، إلا أن الحضارة الأمريكية (الثقافة، والتاريخ، والسياسة الداخلية والخارجية، والاقتصاد الرأسمالي، وغيرها) هي التي توضع موضع النقد. ومن المثير للاهتمام أن هذا النقد اللاذع غالباً ما يبدأ من مدينة شيكاغو (وخاصة جامعة إلينوي) ليعمم بعد ذلك على الولايات المتحدة الأمريكية بأكملها.
لكن عنوان "شيكاغو" وصورتها كتصميم على الغلاف يحملان دلالات أخرى غالباً ما ترتبط بالسمات الرئيسية لهذه المدينة. فكما نعلم، فإن مدينة شيكاغو بسبب ماضيها المظلم في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين (حيث كانت مركزاً لعصابات المافيا والهاربين من القانون مثل "آل كابوني") كانت دائماً في الأذهان رمزاً للعنف، وتجاوز القانون، والرعب، والقتل، والابتزاز، وكثرة الأسلحة النارية وغيرها. وفي نصّ رواية شيكاجو، يُذكّر القارئ مراراً وتكراراً بتاريخ هذه المدينة المظلم وتطبيقه على المدن الأمريكية الأخرى اليوم: «في العشرينيات والثلاثينيات كانت المافيا نشطة هنا، أيام "آل كابوني". أما الآن فالعصابات في شيكاجو كمثلها في أية مدينة أخرى... على الأقل، هنا المناطق الخطرة معروفة، أما في نيويورك فالخطر شامل. قد يهاجمك مسلحون في أي مكان... .» (الأسواني، 2008: 57 – 58) في الواقع، في عنوان وغلاف رواية شيكاجو، نشهد نوعاً من التوازي بين الصورة النمطية لمدينة شيكاغو في أوائل القرن العشرين (مركز العنف، والرعب، والقتل، و...) والولايات المتحدة اليوم. بعبارة أخرى، تُسقط الصورة التاريخية لمدينة شيكاغو، بوصفها صورة ثابتة وغير قابلة للتغيير، على صورة أمريكا الحالية؛ وذلك ما يذكّرنا بأسطورة الطبائع الثابتة (في فكر جلال العظم) بخصائصها الجوهرية التي لا تحول ولا تزول.
بداية القصة
تشكّل بداية الرواية مكاناً استراتيجياً في النص يحدّد طريقة القراءة ويوازن بين مهمتين متنافسين: المعرفة والتشويق. فالتزام الروائي ببناء عالم الرواية يدفعه إلى تقديم المعلومات والتفسير والوصف، والتزام الروائي يجذب القارئ إلى عالم الحكاية وتوريطه في لعبتها يدفعه إلى إخفاء بعض المعلومات والتقليل من التفسير والوصف. (زيتوني، 2002: 32 و33) بناء على هذا، قد نقل علاء الأسواني، من خلال تقديم بداية خارجة عن المألوف، هاتين الوظيفتين (المعرفة والتشويق) إلى قارئه بأفضل صورة ممكنة. ولتحقيق ذلك استخدم تقنية سردية تُعرف بـ"تضمين انعكاسي" ألا وهو «أسلوب فنّي يشبه أسلوب التضمين، ويتميّز منه في كون الجزء المضمّن يتجلى مرآة داخلية تعكس الإطار الذي يحتويه، فإذا بالأثر الفنّي كلّه يمسي منعكساً في جزء من أجزائه.» (القاضي وآخرون، 2010: 97) ففي رواية شيكاجو، تجلت هذه الوظيفة السردية من خلال ملخّص لتاريخ مدينة شيكاغو:
«قد لا يعرف الكثيرون أن "شيكاجو" ليست كلمة إنجليزية، وإنما تنتمي إلى لغة الألجنوكي، وهي إحدى لغات عديدة كان الهنود الحمر يتحدثون بها. معنى شيكاجو في تلك اللغة "الرائحة القوية"، والسبب في هذه التسمية أن المكان الذي تشغله المدينة اليوم، كان في الأصل حقولا شاسعة خصصها الهنود الحمر لزراعة البصل... ظلّ الهنود الحمر لعشرات السنين يعيشون في شيكاجو... ويمارسون حياتهم بسلام... حتى كان عام 1673 عندما وصل إلى المنطقة رحالة وصانع خرائط يُدعى "لويس جولييه"، يرافقه راهب فرنسي... وسرعان ما توافد عليها آلاف المستعمرين كما يتدافع النمل على إناء العسل... وخلال المائة عام التالية: شنّ المستعمرون البيض حروب إبادة مروعة، قتلوا خلالها ما بين 5 و12 مليون نفس من الهنود الحمر... فالمستعمرون البيض، الذين قتوا الهنود الحمر وسلبوا أراضيهم ونهبوا ثرواتهم من الذهب، كانوا في نفس الوقت مسيحيين متدينين للغاية... فقد ذهب كثير من المستعمرين البيض إلى أن الهنود الحمر، بالرغم من كونهم ضمن مخلوقات الله على نحو ما، فإنهم لم يخلقوا بروح المسيح، وإنما خلقوا بروح أخرى ناقصة شريرة... وأكّد آخرون أن الهنود الحمر مثل الحيوانات، مخلوقات بلا روح ولا ضمير.» (الأسواني، 2008: 7و8)
كما هو واضح في النص أعلاه، تبدأ حركة السرد في بداية الرواية، شأنها شأن العنوان وتصميم الغلاف، من مدينة شيكاغو، ثمّ تمتد تدريجياً لتشمل جميع أنحاء الولايات المتحدة. وتستمر هذه الحركة من الجزء إلى الكل طوال القصة، وتشمل أجزاء كثيرة من سرد شيكاجو. بعبارة أخرى، يعدّ المشهد الافتتاحي للرواية بمثابة مرآة تعكس السرديات الستة للرواية. ولهذا السبب، يتكرر ضمنياً طوال الرواية مشهد قمع وإبادة السكان الأصليين لأمريكا وحضارتهم على يد المستعمرين البيض، ولكن هذه المرة بأساليب حديثة ومعاصرة. كما يتم قمع الأمريكيين من أصول أفريقية والتعامل معهم بعنصرية (انظر: نفس المصدر: 188، 192، 197، 269، 374 – 379)، وقمع المخالفين للنظام الرأسمالي وسياسات أمريكا الخارجية في شيكاغو (انظر: نفس المصدر: 157، 158، 182 – 185، 200) وذوبان القيم والأنماط السلوكية الشرقية (وخاصة المصرية) في بوتقة العولمة (خلال سرديات طارق حسيب وشيماء).
بناء على ما ذكر، فإنّ هذا الجزء من بداية الرواية، الذي يعكس ملخّصاً للخطاب السردي للرواية عبر "التضمين الانعكاسي" يظهر بوضوح عناصر الاستشراق المعكوس حيث يقدّم تصويراً مرعباً للغاية عن المجازر التي ارتكبها المستعمرون البيض بحقّ السكان الأصليين، ممّا يجعل سكّان مدينة شيكاغو، وبنوع ما الولايات المتحدة كلّها، في مقام "الآخرين" الذين يحملون إرث الوحشية، والنهب، والاعتداءات التي ارتكبها أسلافهم في القرنين السابع عشر والثامن عشر. والكاتب من خلال إشارة موجزة إلى تاريخ أمريكا، وخاصة المذابح الواسعة التي تعرّض لها السكان الأصليون (الهنود الحمر) من قبل المستعمرين البيض الذين منحوا أنفسهم الشرعية من خلال أيديولوجية المسيحية، يعتبر أن أشكال الإمبريالية الحديثة (مثل حروب أمريكا في فيتنام والعراق، وظاهرة العولمة، والنظام الرأسمالي، ودعم أمريكا للأنظمة القمعية في الشرق الأوسط، وغيرها...) ليست إلا أساليب حديثة وملونة لذلك الاستعمار العاري والمرعب. يذكر أنّ الاستشراق المعكوس هنا لا يعني نقد المجتمع الأمريكي وفق قواعد موضوعية، بل -وكما يقول صادق جلال العظم- المحاولة لإنتاج الآخر كنقيض للأنا وتقديم صورة ميتافيزيقية عن الآخر باختزاله إلى طبائع ثابتة وليس إلى صيروة تاريخية متبدّلة.
الزمان والمكان
بالإضافة إلى بداية الرواية، التي تُعد بلا شك العنصر الأبرز في إنتاج الآخر في رواية شيكاجو، فإن عنصري الزمان والمكان أيضاً لهما دور بارز في هذه العملية. إنّ السرديات المتعددة والمتوازية في رواية شيكاجو، إلى جانب استفادة الكاتب من تقنية "المونتاج" السينمائية، والتي أدّت من خلال عملية القطع والدمج إلى انقطاع الزمان والمكان في القصة، جعلت التأرجح بين الماضي (الحقب التاريخية المظلمة والمروعة في تاريخ أمريكا) والحاضر (القرن الواحد والعشرين) السمة الرئيسية للرواية. وعليه، نرى أن تقنية الاسترجاع (الفلاش باك) يلعب دوراً محورياً في سرديات شيكاجو، إذ إنّ هذه السرديات تتقدّم أساساً من خلال القفزات الزمانية والمكانية بين "هنا/الآن" و"هناك/الماضي". فعلى سبيل المثال، في بداية القصة وبعد ذكر تاريخ مدينة شيكاغو المروعة، الذي تمّ ذكر أجزاء منه سابقاً، يواجه القارئ قفزة زمنية ومكانية إلى العصر الحالي وسكن الطلاب في إلينوي: «مِن أين لشيماء محمدي أن تعرف كلّ هذا التاريخ وقد قضت حياتها كلّها في طنطا، لم تغادرها إلا مرات نادرة... جاءت شيماء من طنطا إلى شيكاجو هكذا... مرة واحدة، دون استعداد أو تمهيد، كمن قفز في البحر بملابسه الكاملة وهو لا يعرف السباحة.» (الأسواني، 2008: 13) كذلك في سرد قصة "رأفت ثابت" نرى أنّه قبل أن يذهب لزيارة ابنته (سارا) في حي "أوكلاند" (حي السود) في شيكاغو، يواجه القارئ قفزة زمنية ومكانية إلى عصر العبودية في الولايات المتحدة والظلم والمعاناة الذي لحق بالأمريكيين من أصول أفريقية جرّاء هجرتهم إلى شيكاغو: «منذ أنشئت شيكاجو، لم تنقطع هجرة الزنوج إليها، مئات الألوف هربوا من العبودية في ولايات الجنوب، جاءوا إلى شيكاجو يدفعهم حلم أن يكونوا مواطنين أحرارا لهم كيان وكرامة. التحقوا بالعمل في المصانع، وعملت زوجاتهم خادمات في البيوت وجليسات أطفال، وسرعان ما اكتشفوا أنّهم استبدلوا قيود العبيد الحديدية بقيود أخرى غير مرئية لا تقل قسوة... .» (نفس المصدر: 217)
والنقطة الجديرة بالملاحظة التي تهمنا في تحليل دلالات الاستشراق المعكوس في الرواية، هي أن الكاتب، عبر وضع أسس ثابتة للحالة الاجتماعية في الغرب، لا يرى أي تحوّل وتطوّر في تاريخ شيكاغو وتحديداً في ظروف حياة ذوي الأصول الإفريقية في الولايات المتحدة الأمريكية. حتى نضالات "مارتن لوثر كينغ" تُعتبر عديمة الجدوى، حيث يوصَف الوضع الحالي في شيكاغو بأنه يكاد يشبه حالة العبودية في القرن التاسع عشر: «كان "مارتن لوثر كينج" يريد أن يبعث برسالة حبّ وإخاء مسيحية، ويعلن في نفس الوقت أن الأوضاع العنصرية لم تعد تُحتمل، لكن النتيجة كانت عنيفة ومحبطة... وهكذا، على مدى تاريخ شيكاجو، ظلّ الحاجز العنصري بمثابة صخرة الحقيقة الصلبة، لا يمكن تجاهلها أو تفاديها... .» (نفس المصدر: 218 و 219)
ومن الجدير بالذكر أن العديد من هذه القفزات الزمنية والمكانية هي أحداث تاريخية موثقة، تنقل القارئ فجأة من زمن ومكان السرد (أمريكا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر) إلى قلب عصر الاستعمار. وبالإضافة إلى تاريخ مذابح السكان الأصليين في أمريكا (في القرنين السابع عشر والثامن عشر) الذي أشرنا إليه سابقاً، فإن تاريخ السود في مدينة شيكاغو (منذ هجرتهم إلى هذه المدينة وتصاعد الصراعات والمواجهات العنصرية في عام 1919، وصولاً إلى الاحتجاجات السلمية للسود بقيادة "مارتن لوثر كينغ" عام 1966)، وقمع التظاهرات المناهضة للرأسمالية في ستينيات القرن الماضي، وردود الفعل العنصرية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، كلّها من الإشارات التاريخية الأخرى المذكورة في رواية شيكاجو، والتي يتمّ سردها للقارئ باستمرار في عملية مماهاة بين الحاضر والماضي.
ثانياً: التمثيل المشوّه للشخصيات الروائية
إنّ واحداً من أهمّ المصطلحات النقدية في حقل الدراسات ما بعد الكولونيالية هو مصطلح "التمثيلية" (Representation) الذي يعني «الكيفية التي تتجلى فيها الأحداث في الخطابات بكل أشكالها.» (فرج، 2018: موقع "الفيصل") وقد استعار إدوارد سعيد هذا المصطلح من ميشيل فوكو و قام بتطويره وفقاً لرؤيته. وقد طرح فوكو، في مناقشته لمفهوم "المعرفة/السلطة"، فكرة أن المعرفة تُنتَج دائماً من قبل السلطة، ولذلك ليست هناك معرفة بريئة، لأن السلطة دائماً تمثّل المعرفة وفقاً لمصالحها الخاصة. في الواقع، تعمل السلطة كمرآة تعكس المعرفة حسب تقديرها الخاص. وقد أدخل إدوارد سعيد مصطلح "التمثيلية" إلى الدراسات ما بعد الكولونيالية. وبحسب سعيد، فإن أساس الاستشراق (بوصفه سلطة) كان دائماً يمثّل الشرق وفق رؤيته الأيديولوجية المنحازة وباعتباره الآخر الأدنى.
بناء على هذا، فإنّنا في رواية شيكاجو، أمام تمثيلية معاكسة للشخصيات السردية تسعى إلى إنتاج الآخر الغربي. فكما أشرنا سابقاً، فإنّ مدينة شيكاغو في هذه الرواية تمثل كلّ أمريكا؛ ومن هنا، فإن صورة مجتمع شيكاغو هي صورة المجتمع الأمريكي ككل، أو حتى على مستوى أوسع، صورة الحضارة الغربية بأسرها. غير أنّ المجتمع الأمريكي الذي صوّره الأسواني في هذه الرواية هو مجتمع منحط غارق في الأزمات والتحديات التي أغرقت المواطنين الأمريكيين في مستنقع من المشاكل والمعضلات. فالمثقفون الأمريكيون هم إما عنصريون متعصبون أو منبوذون يعيشون في عزلة وانطواء بسبب معارضتهم للنظام الرأسمالي. أما عامة الناس، فهم يتخبّطون في مستنقع من الفقر والبطالة والإدمان والدعارة والمثلية الجنسية وتفكك الأسرة وغيرها من المشاكل. والنقطة الجديرة بالملاحظة هي أن الشخصيات غير الأمريكية أيضاً، بسبب وجودهم في المجتمع الأمريكي واطلاعهم على القيم الغربية، قد وقعوا في نفس الأزمات، وأصبحت مشاكل مثل الفساد الأخلاقي وتفكك الأسرة تلاحقهم. سنقوم بتحليل شخصيات رواية شيكاجو ضمن فئتين: "الشخصيات المصرية المقيمة في أمريكا" و"الشخصيات الأمريكية".
أولاً: الشخصيات المصرية المقيمة في أمريكا
تنقسم هذه الشخصيات بدورها إلى فئتين: طلاب مصريون مبتعثون، وشخصيات مصرية تقيم في أمريكا منذ سنوات طويلة. الفئة الأولى تتكوّن من عدد من الشباب المصريين الذين جاؤوا إلى مدينة شيكاجو لمواصلة تعليمهم. ورغم بذل جهود دؤوبة للحصول على المنحة الدراسية في الولايات المتحدة، ينغمس هؤلاء في بحر الأزمات الأخلاقية أو الوجودية أو الاجتماعية فورَ وصولهم إلى الولايات المتحدة؛ منهم:
شيماء محمدي و طارق حسيب
كلاهما من الطلاب المصريين في قسم علم الأنسجة بجامعة إلينوي. وقد نشآ -كما نقرأ في الاسترجاعات- في بيئة تقليدية ودينية. وبعد فترة قصيرة من وجودهما في الولايات المتحدة، يدمن طارق على مشاهدة الأفلام الإباحية، بينما تواجه شيماء أزمة الهوية والكثير من المشاكل الاجتماعية بسبب عدم معرفتها بالثقافة الغربية. بعد فترة، يقع الاثنان في علاقة جنسية ينتج عنها حمل غير مرغوب فيه لشيماء وتدهور شديد في التحصيل الدراسي لطارق، حتّى يصل الأمر الى حدّ طرده من الجامعة. في النهاية، تصاب شيماء بخيبة أمل من إقناع طارق بعقد القران فوراً في الولايات المتحدة، فتقوم بإجهاض نفسها سراً.
ناجي عبدالصمد
ناجي طالب دراسات عليا في جامعة إلينوي، وقد مُنع من مواصلة دراسته في مصر بسبب نشاطاته السياسية، وفور وصوله إلى الولايات المتحدة، يسعى لإقامة علاقة جنسية مع بائعة هوى؛ ثمّ يدخل في علاقة جنسية مع فتاة يهودية تُدعى "ويندي". في هذه الأثناء، يدفعه سماع خبر الزيارة الوشيكة لـ"حسني مبارك" (الرئيس المصري السابق) إلى شيكاغو إلى التعاون مع "كرم دوس" (أحد الشخصيات الثانوية في القصة) لجمع توقيعات من المصريين المقيمين في أمريكا وتنظيم مسيرة احتجاجية أمام مقرّ خطاب الرئيس المصري. لكن في إحدى الليالي، عندما يعود ناجي إلى السكن، يُفاجأ بوجود "صفوت شاكر" (رئيس المخابرات المصرية في أمريكا) الذي يهدّد ناجي بإيذاء عائلته في مصر، ويخبره بأنه يملك شريط فيديو لعلاقة ناجي الجنسية مع ويندي. هذا الخبر المفاجئ يثير شكوك ناجي تجاه ويندي، ويؤدي إلى قطع العلاقة بينهما. في النهاية، بعد ليلة واحدة فقط من تظاهرات المعارضين للرئيس المصري أمام مقرّ الخطاب، تقوم الشرطة الأمريكية بالتعاون مع رجال المخابرات المصرية باعتقال ناجي عبدالصمد بتهمة العمل ضد الأمن القومي والتخطيط لأعمال إرهابية على الأراضي الأمريكية. وتنتهي القصة بمشهد تعرّض ناجي للضرب باللكمات والركلات من قبل رجال الأمن الأمريكيين.
الفئة الثانية: الشخصيات المصرية المقيمة في أمريكا
تتضمن الفئة الثانية عدداً من المصريين الذين دخلوا الأراضي الأمريكية منذ سنوات عديدة وأصبحوا الآن مواطنين فيها؛ منهم:
صلاح
غادر صلاح مصر، بسبب الأوضاع غير المستقرة، قبل ثلاثين سنة ولجأ إلى الولايات المتحدة الأمريكية. ومع ذلك، خلال ثلاثين عاماً من العيش في أمريكا، انفصل صلاح تماماً عن هويته المصرية وتقبّل الهوية الأمريكية بكل جوارحه: «المصريون هنا يطلقون عليّ "عمدة شيكاجو". وأنا أبذل جهدي حتّى لا أفقد اللقب.» (نفس المصدر: 56) لكنه، وعلى غرار شخصيات الفئة السابقة، فجأة يواجه أزمة هوية وينفصل عن المجتمع الأمريكي الذي يعتبره "الآخر"، ويحاول من خلال استحضار ذكريات الماضي، أن يستعيد هويته المصرية. إنّ تحول شخصية صلاح غير متوقع إلى درجة أن الكاتب نفسه يشبّهه بأصحاب الكهف: «كأنه من أهل الكهف، نام ثلاثين عاماً ثمّ صحا وعاد إلى مدينته.» (نفس المصدر: 338) وهكذا، ينفصل صلاح عن زوجته الأمريكية (كريس) ومن ثم يصل إلى نتيجة مفادها أن هجرته إلى أمريكا كانت أكبر خطأ في حياته: «يثرثر بسرعة ويكذب بحماس يدهشه... يكون هدفه أن يشتت ذهن من يحدّثه فلا يفكّر في غرابة المكالمة... لا يجب أن يعرفوا إن وطأة الحنين قد سحقته، أنّه اكتشف بعد الستين أنه أخطأ لما ترك بلاده، أنه نادم حتّى الموت على الهجرة... .» (نفس المصدر) في الختام، وبعد أن يفشل صلاح في المشاركة في المظاهرات الاحتجاجية ضد حسني مبارك، يقدم على الانتحار.
رأفت ثابت
الشخصية التالية هي "رأفت ثابت"، أستاذ علم الأنسجة المصري الآخر في جامعة إلينوي. قبل حوالي أربعين عاماً، وبعد تطبيق السياسات الاشتراكية لجمال عبد الناصر في مصر، التي أدت إلى تأميم مصانع الزجاج التابعة لوالده (محمود باشا ثابت)، غادر رأفت بلاده وهاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية. إنّه، بالإضافة إلى تخلّيه عن قيمه ومعتقداته ونماذجه السلوكية المصرية، يشنّ هجوماً بلا هوادة على جميع المظاهر والتجليات الشرقية وخاصة العربية-الإسلامية. فهو من جهة يحتقر اللغة والثقافة العربيتين، ومن جهة أخرى يمنح اللغة والثقافة الأمريكيتين عظمة مبالغ فيها: «صار أمريكيا في كل شيء... فهو لا يتحدّث العربية مطلقا، ويفكّر بالإنجيليزية وينطقها بلكنة أمريكية متقنة... بل إنّه يهز كتفيه ويحرّك يديده ويصدر أصواتا من فهمه أثناء الكلام تماماً كالأمريكيين... هذه الصورة التي يحبها لنفسه، أن يكون أمريكيا حقيقيا كاملا، نقيا خالصا بلا شوائب!» (نفس المصدر: 43) بل يتّخذ موقفاً عدائياً تجاه كلّ إنسان أو ظاهرة شرقية (وخاصة المصرية): «بعد أحداث 11 سبتمبر، كان رأفت يجاهر بآراء ضد العرب والمسلمين قد يتحرج منها أكثر الأمريكيين تعصباً! كأن يقول مثلاً: - من حق الولايات المتحدة أن تمنع أي شخص عربي من دخول أراضيها حتى تتأكّد من أنه شخص متحضّر لا يعتبر القتل فرضاً دينياً... .» (نفس المصدر: 45) ومع ذلك، عندما تقرّر ابنته (سارة) مغادرة المنزل والعيش بشكل مستقل مع صديقها (جيف)، يتعرّض رأفت ثابت لأزمة عصبية ونفسية، إذ لا يستطيع التوفيق بين السلوك الغربي وقيمه الشرقية، فيسعى مرة أخرى إلى قمع معتقداته الراسخة: «أرجو أن تصدّق مرة واحدة وإلى الأبد هذه الحقيقة: أنا أمريكي، وقد ربّيت ابنتي على القيم الأمريكية... تخلصت إلى الأبد من التخلف الشرقي... لم أعد أربط شرف الإنسان بأعضائه التناسلية!» (نفس المصدر: 77 و 78) ومثل شخصية صلاح، يدرك رأفت في النهاية أنه، رغم محاولاته اليائسة لمحو هويته المحلية وذوبانه في الهوية التابعة (الأمريكية) سيظل في نظر مجتمع "المركز" (بمن فيهم زوجته وابنته) "الآخر المهمّش"، لتخاطبه ابنته «سارة» بهذه الطريقة: «كفاك أكاذيب... لقد تسبّبت في شقائي... لا توجد شيء واحد حقيقي في هذا البيت... أمي لا تحبّك... لم تحبّك قط... آن الأوان لكي تسمع رأيي فيك: أنت شخص مزيف، ممثّل فاشل يؤدي دوراً سخيفاً لا يقنع أحداً. من أنت؟ هل أنت مصري أم أمريكي؟ عشت حياتك وأنت تريد أن تكون أمريكيا وفشلت.» (نفس المصدر: 393) تنتهي قصة رأفت ثابت بحضوره في المستشفى إلى جانب جثة ابنته التي توفيت بسبب تعاطي جرعة زائدة من المخدرات.
كرم دوس
شخصية مصرية أخرى مقيمة في الولايات المتحدة في رواية "شيكاجو" هي "كرم دوس" الذي له دور محدود في القصة وتُعتبر شخصية ثانوية في الرواية. وعلى الرغم من أنّه قبطي مسيحي ومن أكبر الأطباء الجرّاحين ("القائد المحنك الماهر" حسب تعبير الراوي) إلا أنّه يعاني مراراً من العنصرية الأمريكية: «منذ الأيام الأولى تكشّفت له عدة حقائق: أولها أنّ كونه مسيحياً لا يضيف إليه شيئاً في المجتمع الأمريكي، فهو بالنسبة للأمريكيين أولاً وأخيراً عربي ملون.» (نفس المصدر: 242)
اللافت للنظر هو أن جميع هؤلاء الأشخاص، بعد سنوات طويلة من الإقامة في الولايات المتحدة والتكيّف مع القيم الغربية، يواجهون -على حين غرة- أزمات اجتماعية وثقافية مثل تفكك الأسرة، وإدمان الأبناء، وأزمة الهوية، والتعرض للإهانات العنصرية؛ وإنّ جميعهم ضحايا الحضارة الغربية بشكل أو بآخر، حيث قد أصيبوا بأزمات اجتماعية ووجودية نتيجة للتعرف على القيم الغربية. يمكن ملاحظة هذا الاستشراق المعكوس بشكل خاص في انعدام الخلفية التاريخية لدى الشخصيات المصرية، إذ أنّ نص الرواية لا يقدّم لنا أي معلومات عن ماضي هؤلاء الأشخاص في مصر، ولا يعرف القارئ عن ظروفهم الاجتماعية أو السياسية في مصر إلا في حالات قليلة جداً، بل تبدأ جميع الأزمات الاجتماعية والوجودية لهم منذ أن تطأ أقدامهم أرض الولايات المتحدة.
ثانياً: الشخصيات الأمريكية
كذلك، يمكن تقسيم الشخصيات الأمريكية في رواية شيكاجو إلى فئتين: شخصيات ضحية للحضارة الغربية، وشخصيات داعمة للحضارة الغربية.
الفئة الأولى: الشخصيات الضحية للحضارة الغربية
الفئة الأولى، التي تكاد تكون جميعها من النساء، هم -وفقاً للصورة الأحادية والثابتة والمنحازة للرواية عن الغرب- ضحايا لأنواع الأزمات في المجتمع الأمريكي مثل العنف، والتحرّش، والإدمان على المخدرات، وتفكك الأسرة، والعنصرية، والتمييز، وغيرها. ومن أبرز هؤلاء هم:
كارول (صديقة جون غراهام): هي امرأة سوداء البشرة. وعلى الرغم من قدراتها ومهاراتها العلمية والشخصية، إلا أنه لا مكانة لها في المجتمع الأمريكي، إذ يمنعها المواطنون البيض، بسبب لون بشرتها، حتى من الحصول على وظائف وضيعة ومهينة مثل رعاية الكلاب المنزلية. (نفس المصدر: 267) وعندما تكون مع "جون غراهام" تتجول في الشارع، تتعرّض باستمرار للسخرية والتهكم العنصري من قبل مواطني شيكاغو. (نفس المصدر: 188 - 193) وفي نهاية القصة، عندما يكتشف جون غراهام أن كارول اضطرت من بيع نفسها من أجل الحصول على فرصة عمل، ينفصل عنها.
دونا (امرأة تمارس الدعارة التقى بها ناجي عبدالصمد في الأيام الأولى لوصوله إلى شيكاغو): هي امرأة في الخمسين من عمرها، وبسبب هروب زوجها من المنزل وما تبع ذلك من فقر وعوز شديدين، أصبحت تعتاش من ممارسة البغاء: «أنت لا تعرف كم أحتاج إلى هذا المال... أنا أطعم ثلاثة أطفال من عملي هذا... أبوهم هرب مع امرأة تصغره بعشرين عاماً وتركني معهم. ليست لي حقوق قانونية لأننا لم نكن متزوجين... عليّ أن أدفع وحدي كلّ شيء... لا أحب أن أكون مومساً، لكنني ببساطة لم أجد عملا آخر... حاولت كثيراً ولم أجد.» (نفس المصدر: 92)
كاثرين (الأخصائية النفسية التي يراجعها رأفت ثابت لعلاج إدمان إبنته): تروي كاثرين لرأفت أنها كانت تملك سابقاً شركة كبيرة في شيكاغو. وكان حجم العمل الكبير في هذه الشركة يمنعها من تخصيص أي وقت لرعاية ابنها الوحيد "تيدي". ونتيجة لهذا الوضع، أدمن تيدي المخدرات بشدة، وتوفي بسبب الإفراط في تعاطيها. (انظر: نفس المصدر: 349)
ميشيل (زوجة رأفت ثابت): من خلال الحوار بين ميشيل ورأفت ثابت، ندرك أنها كانت تتصرف دوماً بعنصرية تجاه رأفت، وكانت تلومه بسبب أصوله العربية. (انظر: نفس المصدر: 141 و142)
كريس (زوجة صلاح): بعد تغيير الحالة النفسية لصلاح، تنفصل كريس عنه بسرعة وتلجأ إلى استخدام جهاز جنسي إلكتروني لإشباع حاجاته الجنسية. (نفس المصدر: 326 - 332)
الفئة الثانية: الشخصيات الداعمة للحضارة الغربية
المجموعة الثانية من الشخصيات الأمريكية، وجميعهم رجال، هم إما أمريكيون متعصبون يوجّهون هجماتهم العنصرية ضد غير الأمريكيين وغير البيض، أو أشخاص منحلون أخلاقياً يدفعون الآخرين (غالبًا النساء) إلى سلوكيات غير أخلاقية وإباحية:
تشاك (الطبيب المساعد لكرم دوس): هو أمريكي متعصب وعنصري؛ وعلى الرغم من كونه مساعد كرم دوس في غرفة العمليات، إلا أنه يتصّرف معه بشكل مهين وعنصري. وفي أحد أجزاء القصة، يتسلل الراوي إلى ذهن تشاك ويقول على لسانه مخاطباً كرم دوس: «صحيح أنا أعمل تحت رئاستك... أنا مجرد مساعد وأنت جراح كبير... لكن إياك أن تنسى أنني أمريكي أبيض وصاحب هذه البلاد، أما أنت فمجرد عربي ملوّن جاء من إفريقيا فعلّمناه ودرّبناه وصنعنا منه شخصاً متحضَراً.» (نفس المصدر: 247)
جورج مايكل (أحد أساتذة قسم هيستولوجيا بجامعة إلينوي): هو عنصري متعصب للغاية يعتقد أن جميع المصائب والتحديات التي تواجه الولايات المتحدة هي نتيجة دخول المسلمين إليها. ويظهر سلوك مايكل العنصري بشكل خاص في تعامله مع ناجي عبدالصمد (انظر: المصدر نفسه: 28) وكارول. (انظر: المصدر نفسه: 189 و190)
زملاء ناجي عبدالصمد في الصف: الذين يجعلونه هدفاً للسخرية والاستهزاء والشعارات العنصرية، خاصة بعد تعرّفه على ويندي: «كان أجرأهم شاب نحيل وطويل، شعره أحمر وأسنانه العلوية بارزة قليلاً، يضع طاقية سوداء صغيرة على رأسه... وكلما رآني يصيح بصوت عال: - السلام عليكم؛ ثمّ يستغرقون جميعا في الضحك. ظللت أتجاهلهم، حتى فوجئت به عقب انتهاء الدرس يوم الجمعة يستوقفني بيده وحوله أصدقاؤه، ثمّ يسألني باستهزاء: - من أين جئت؟ - أنا مصري - لماذا تدرس الهيستولوجي؟ هل تظنه مفيداً في تربية الجمال؟ افجروا جميعا ضاحكين... .» (نفس المصدر: 283 و 284)
فرناندو (موظف في شركة إعلانات): وهو مثلي الجنس ومدمن على الكوكايين، يجبر كارول على التعري أمام الكاميرا للمشاركة في إعلانات الملابس النسائية. (نفس المصدر: 315 – 320)
جيف (حبيب سارة): وهو نفسه مدمن على مخدر الكراك ويدفع سارة (ابنة رأفت ثابت) إلى هذا الطريق. وفي النهاية، تموت سارة بسبب الإفراط في تعاطي المخدرات. (نفس المصدر: 224 و 225)
رئيس شركة الإعلانات: الذي يشترط توقيع عقد جديد مع كارول بإقامة علاقات جنسية غير مشروعة معها. (نفس المصدر: 445)
كما هو واضح، فإن الشخصيات الأمريكية في شيكاجو جميعها تقريباً شخصيات تعاني من الأزمات وغارقة في المشكلات النفسية والروحية. في الواقع، إنّ الشخصيات الأمريكية في رواية شيكاجو إما ضحايا للقيم والمعايير الاجتماعية الأمريكية أو مؤيدون لقيم غير إنسانية مثل العنصرية، والتعصب، والتحرّش، والاستهلاكية. وقد قام الكاتب بتمثيل صورة مشوّهة ومتحيزة عن الشخصيات الأمريكية.
النتيجة
رواية شيكاغو للكاتب الصري علاء الأسواني تُعد مثالاً بارزاً لما أطلق بعض المفكرين (مثل صادق جلال العظم) عليه "الاستشراق المعكوس" الذي يعني إنتاج آخر غربي من خلال عملية التمثيلية التي تتجلى في اختزال الحضارة الغربية في مفاهيم ثابتة وأيديولوجية ومتحيزة. وقد مارست رواية شيكاجو الاستشراق المعكوس في شكله الصارخ من خلال وضع المجتمع الأمريكي، بوصفه موضوعاً، في موقع الآخر غير المتحضّر، وذلك عبر آليتي «القفزات السردية» و«التمثيل المشوّه للشخصيات الأمريكية». إنّ آلية "القفزات السردية" التي تتمثّل في عناصر سردية مثل العنوان، والغلاف، والبداية، والزمان والمكان، يتمّ توظيفها عبر حركة متعرجة بين الماضي والحاضر. بمعنى أن هذه العناصر السردية غالباً ما تدمج الحضارة الغربية اليوم (وخاصة المجتمع الأمريكي في بدايات القرن الحادي والعشرين) مع الحقب التاريخية المظلمة والعنيفة للولايات المتحدة، لتختزل الحضارة الغربية في طبائع ثابتة وخصائص جوهرية. أما آلية "التمثيل المشوّه للشخصيات الأمريكية" فتتجلى في تقديم الشخصيات تقديماً منحازاً يهدف إلى تشويه صورة الآخر الغربي، حيث إنّ جميع شخصيات الرواية يتخبّطون، في ظلّ سيطرة القيم الغربية، في مستنقع من المشاكل والأزمات الأخلاقية والاجتماعية: فالشخصيات غير الأمريكية (المصرية) تنجرف نحو الانحرافات الأخلاقية والجنسية فور دخولها إلى الولايات المتحدة؛ والشخصيات الأمريكية، فهي إما ضحايا النظام الرأسمالي والقيم الغربية، حيث يقعون في أزمات اجتماعية وأخلاقية بسبب سعيهم لتأمين احتياجاتهم اليومية، أو هم عنصريون متطرفون يتخذون مواقف عنيفة ضد غير البيض وغير الأمريكيين.
المصادر والمراجع
العربية
الأسواني، علاء. (2007). شیکاجو. ط 11. القاهرة: دارالشروق.
جلال العظم، صادق. (1981). الاستشراق والاستشراق معكوساً. بيروت: دار الحداثة للطباعة والنشر.
جودة السحار، عبدالحمید. (1991). جسر الشیطان. القاهرة: دار مصر للطباعة.
زیتوني، لطیف. (2002). معجم مصطلحات نقد الروایة. ط 1. بیروت: مکتبة لبنان ناشرون.
سالم محمد الأمین الطلبة، محمد. (2008). مستویات اللغة في السرد العربي المعاصر (دراسة نظریة تطبیقیة في سیمانطیقا السرد). ط 1. بیروت: مؤسسة الإنتشار العربي.
سعيد، ادوارد. (2006). الاستشراق: المفاهيم الغربية للشرق. ترجمة محمد عناني. القاهرة: رؤية للنشر والتوزيع.
فرج، ريتا. (2018). «النسوية ما بعد الكولونيالية: تفكيك الخطاب الاستشراقي حول نساء الهامش». مجلة فيصل الالكترونية. العنوان:
https://www.alfaisalmag.com/?p=9064https://www.alfaisalmag.com/?p=9064
القاضي، محمد والآخرون. (2010). معجم السردیات. ط 1. مجموعة الدول: الرابطة الدولیة للناشرین المستقلین.
محمود سلامي، أحمد (2016) «الاستشراق المعكوس في فكر حسن حنفي». المجلة الأردنية للعلوم الاجتماعية، المجلد 9، العدد.
محمود، حسن محمود. (2023). «ثنائية الأنا والآخر في رواية شيكاجو». مجلة كلية اللغة العربية بجامعة أسيوط. العدد 42. الجزء الثاني. صص 1028 – 1050.
الفارسية
امير دهناوي، فريده ودیگران. (1394ش). «سیمای دیگری در رمان ثریا در اغما اثر اسماعیل فصیح و رمان شیکاگو اثر علاء الاسوانی». مجله ادبیات تطبیقی. سال هفتم. شماره 12. صص 1 – 24.
برناکی، فاطمه وعلي سلامي. (1402ش). «استعمار نوین و سیاست دیگرستیزی: هویت دشمن دوست نما در رمانهای جمهوریت، حقیقتی دروغین و شیکاگو اثر علا الاسوانی». مجله پژوهش ادبیات معاصر جهان. دوره 28. شماره 1. صص 47 – 68.
کاظم زاده، نسرین و دیگران. (1400ش). «سازگاری فرهنگی مهاجران در رمان شیکاگو، اثر علاء الأسوانی؛ بر اساس نظريه فرهنگپذیری جان بری ». مجله ادب عربی. سال 13. شماره 4. صص 152 – 172.
میرصادقی، جمال و میمنت میرصادقی. (1377ش). واژهنامه هنر داستاننویسی. تهران: کتاب مهناز.