Analyzing the meaning of the meaning in the jihad sermon, based on Jurjani’s systems theory (metaphor and metaphor as an example)
Subject Areas : Contemporary Literature Studiesqasem mokhtari 1 , abdolhossein afshar 2 , mohammad jorfi 3 , mahmuod shahbazi 4
1 - arak un
2 - arak un
3 - Faculty member, Arak University
4 - arak
Keywords: meaning of meaning, metonymy, Nahj al-Balaghah, systems theory, metaphor,
Abstract :
Analyzing the meaning of the meaning in the Jihad sermon, based on Jurjani's theory of order (a case study of metaphor and irony) The meaning of meaning is one of the most delicate and delicate terms that Jurjani put forward by establishing her theory of order and changed the text from a static and static structure to a living and dynamic process. The Current research aims to investigate the meaning of meaning in the Jihad sermon, based on Jurjani's theory of order that Metaphor and irony have been explored as its two main axes. One of the goals of this research is to understand the main meaning of Imam (a.s.) in the sentences that have multiple layers. In this process, the syntactic level and elements of coherence of the sentences, which are directly related to the meaning, have been evaluated. The results of this article, which were carried out in an analytical-descriptive method, indicate that Amir Momenan (A.S.) used metaphor and irony based on the requirements of the ruler. In some cases, due to the clarity and obviousness of the existing facts, as well as capturing the audience's mind, the sentences retain the referential function (information). And in cases where they intended to provoke, persuade or warn the audience, they expressed their purpose and meaning in the form of metaphor and irony and They have conveyed their purpose to the audience in a beautiful and effective implied structure
دراسة وتحليل معنى المعنى في خطبة الجهاد، بناءً على نظريّة النظم للجرجاني (الاستعارة والكناية أنموذجًا)1
الملخّص
يُعدّ معنى المعنى واحدًا من أكثر المصطلحات دقّةً ورقّةً والتي طرحها الجرجاني بتأسيسه لنظريّة النظم، فغيّر بها النصوص من مجرّد بنية ثابتة وساكنة، إلى عمليّة حيّة ونشطة. يسعى البحث الماثل لدراسة معنى المعنى في خطبة الجهاد، بناءً على نظريّة النظم للجرجاني، وقد أخضعنا الاستعارة والكناية للنقاش باعتبارهما محورين رئيسين في تلك النظريّة. إنّ اكتشاف ما ينويه الإمامعليه السلام ويقصده في الجمل ذات الطبقات المتعدّدة، اعتمادًا على نظريّة النظم للجرجاني ومعنى المعنى، لهو من جملة الأهداف التي نصبو إليها في هذا العمل البحثي. ومن خلال هذه العمليّة، جرى تقييم ودراسة المستوى النحوي والدلالي والعناصر الباعثة على التماسك في الجمل التي لها صلة مباشرة بمعنى المعنى. تشير نتائج هذه المقالة، التي أُعدّت بالمنهج التحليلي-الوصفي، إلى أنّ أمير المؤمنين قد استفاد من الاستعارة والكناية حسب ما تقتضيه الأجواء السائدة. وفي بعض الحالات، وبسبب وضوح الحقائق الموجودة وجلائها، وكذلك من أجل تسخير عقول الجمهور، احتفظ مولانا الإمام عليعليه السلام بالوظيفة التوثيقيّة (إعطاء المعلومات) للجمل، وفي الحالات التي أراد فيها تحريض الجمهور أو إغراءهم أو إنذارهم أو ذمّهم، قام بتبيين غايته ومراده ضمن الاستعارة والكناية، ونقَل غرضه وقصده إلى الجمهور في بنية ضمنيّة جميلة ومؤثّرة.
الكلمات الرئیسية: نهج البلاغة، معنى المعنى، الاستعارة، الكناية، نظريّة النظم.
1. المقدّمة
لقد حظي نهج البلاغة باعتباره أخًا للقرآن، منذ القدم وإلى يومنا هذا، باهتمام الباحثين وأهل الخبرة. وقد لا نبالغ إذا قلنا بأنّ المعنى يُعدّ أهمّ الأجزاء في أيّ عمل، وإنّ التعامل معه هو إحدى الضرورات التي لا يمكن إنكارها. أمّا معنى المعنى، فهو أعلى من المعنى بمرحلة، ويصعب كثيرًا الوصول إليه وفهمه مقارنة مع المعنى. يمكن فهم المعنى الأوّل بالاعتماد على مظهر المفردات لوحدها ومن غير واسطة، بينما لمعنى المعنى إشارة ضمنيّة وإيحائيّة إلى المفهوم المطلوب، ولا يمكن إدراك هذا المفهوم إلّا بالنظر إلى سياق الجمل (انظر: دفع الله ومحمّد، بدون تاريخ: 206). فعلى سبيل المثال، المعنى الأوّل للّفظة «الليل» هو زمن بين غروب الشمس والفجر، ومعناه الهامشي أو الثاني يدلّ على الذعر والفزع، والسهر والتهجّد، والقلق وتشتّت البال (انظر: يونس علي، 2004: 80-79). كانت نظرة الجرجاني إلى البنية المعجميّة مختلفةً عن التي لغيره. إنّه يبيّن رؤيته في ثنايا كتابه دلائل الإعجاز ونظريّة النظم لديه، ويرى أنّ الفصاحة والبلاغة لن تُفهما إلّا من منطلق مراعاة النظم واتّباع القواعد النحويّة (جمعي، 2019: 177-163). يقيم الجرجاني علاقة وثيقة بين النظم والمعنى، ويتمثّل هدفه في ذلك بتبيان وجود الاختلافات الدلاليّة والمعاني الثواني التي توجد في البنى النحويّة المختلفة. وبناءً على ذلك، فإنّ النظم من منظور الجرجاني، يرتبط في صميمه، بالمعنى. إنّه ومن خلال دراسته التحليليّة الدقيقة للبنى النحويّة، يشير إلى الفروق الدلاليّة للتراكيب المختلفة، ويؤكّد على أنّ أيّ تغيير بنيويّ في الجملة، يؤدّي إلى تغيير في المعنى (كاظمي، 2016: 9). ويرى أنّ الألفاظ لوحدها وفي حدّ ذاتها، تفتقر إلى قيمة أو مكانة، ولا يتّضح حُسْنها أو قبحها إلّا إذا استُخدمت في النصّ، ورُصفت بعضها بجانب بعض على أساس من النظم، وتتّصل المفردات وتُبنى الواحدة على الأخرى، ويتعلّق وجود أيّة منها بوجود الأخرى (انظر: وليد محمّد مراد، 1983: 132). من وجهة نظر الجرجاني، لا معنى لنظم الكلام سوى تضمين الكلمات مقاصدَ نحويّة (الجرجاني، 2014: 264). يستعرض هذا العمل البحثي، ومن خلال العناصر السيمانطيقيّة للمفردات، الاستعارات والكنايات ومعالجة النظم والسياق الموجود فيها، وأجزاءها الباعثة على التماسك، ويتناول المعاني الثواني للجمل الاستعاريّة والكنائيّة، ويوضّح أنّ الإمامعليه السلام وعبر اختياره الهادف للمفردات وترتيبها بحسب موقع الكلام، قد خلق عبارات أدبيّة وجميلة، وعبّر عمّا ينويه ويقصده، بشكل ضمنيّ وفي إطار نظام دلاليّ استعاريّ وكنائيّ ممنهج.
1-1 اسئلة البحث
لقد بادر أمير المؤمنينعليه السلام في خطبته الجهاد، إلى رصف الكلمات في غاية البراعة والدقّة، بحيث أنّ الصلات المتبادلة والمكمّلة لعناصرها وأجزائها ضمن بنية متماسكة، قد أدّت إلى خلق عبارات أدبيّة وبلاغيّة غزيرة المحتوى وقيّمة. يحاول هذا البحث أن يحلّل معنى المعنى في الاستعارات والكنايات المستخدمة في هذه الخطبة، بالمنهج الوصفي-التحليلي وعبر الاستعانة بنظريّة النظم للجرجاني. في هذه الدراسة، بدايةً يخضع المستوى الدلالي للنقاش، ثمّ بعد ذلك، وبالنظر إلى أهمّيّة الكشف عن الصلة بين البنى النحويّة والدلاليّة للكلام، ومنها جودة نظم المفردات، وهيكليّة الجمل، وطول الجمل، والجهة النحويّة، و... (انظر: فتوحي، 2012: 268)، يُطرح على بساط الدراسة، المستوى النحوي للجمل بغية استخلاص معنى المعنى. إنّ الأجواء السائدة على كلّ جزء من أجزاء الخطبة، تختلف باختلاف الموضوع واتّجاه الجمهور، وإنّ الإمام ومن خلال حُسْن اختياره للمفردات وخلق المصطلحات والتعابير الأصيلة، قد عمد إلى صبّ سياق كلامه في قالب عبارات متماسكة ومنهجيّة، ولهذا، حاولنا قدر الإمكان شرح النقاط المحوريّة والرموز الخفيّة في المعاني الثواني، بلغة بسيطة ومفهومة، والتفصيل في الدقائق النحويّة والبلاغيّة المهمّة التي تدخل ضمن نظم الجمل وتُعتبر من مكوّنات معنى المعنى. في معرض دراستنا للجمل الاستعاريّة والكنائيّة، يتمّ تقييم معاني الجمل ومفاهيمها ضمن مستويين هما الصعيد اللغوي والصعيد البلاغي. والمقصود الأصلي ومعنى المعنى هو الصعيد البلاغي الذي يحمل شعاعًا مفاهيميًّا واسعًا. إنّ الذي يتحصّل من هذا البحث، هو الإشارة إلى المفاهيم والمعاني الجديدة التي يمكن استخلاصها من الصعيد البلاغي. كما أنّ السبب وراء استخدام مفردات معيّنة في مواضع مختلفة، وعدم استخدام مفردة مماثلة أخرى بدلًا منها، يُعدّ من النقاط اللافتة للانتباه في هذه الدراسة. تسعى المقالة للإجابة على هذه التساؤلات: 1. ما هو تأثير نظريّة النظم للجرجاني في فهم معنى المعنى وكيف يمكن اعتبار هذه النظريّة أساسًا لإدراك هذا المفهوم بشكل أفضل؟ 2. ما هو مدى توظيف الاستعارة والكناية في خطبة الجهاد، وما هو معيار الإمامعليه السلام للإفادة من هذين المحسّنين البديعيّين؟ 3. ما هي الأغراض والمعاني البديعة والتجلّيات الدلاليّة الجديدة التي تحملها الاستعارة والكناية في هذه الخطبة؟ 4. ما هي النماذج التي تشتمل عليها مكوّنات معنى المعنى الباعثة على الانسجام والتماسك؟
1-2 خلفية البحث
مع ما قمنا به من بحث، وجدنا أنّه لم يتمّ حتّى الآن إجراء دراسات كثيرة حول معنى المعنى في خطبة الجهاد على وجه التحديد، وأنّ معظم الأبحاث تناولت هذا الموضوع من زوايا مشابهة. فعلى سبيل المثال، توصّل عرب زوزني وآخرون (2016: 114-80) في مقالتهم «دراسة بنية الجهة النحويّة لخطبة الجهاد في نهج البلاغة بناءً على الوظيفة العليا التواصليّة للنظريّة الوظيفيّة» إلى نتيجة مفادها أنّ أغلب الفقرات في هذه الخطبة، تحمل نقلًا لرسائل تنمّ عن التأكّد والتحديد، من قِبَل مصدر عليم (الإمام عليعليه السلام) إلى جمهوره (أهل الكوفة) وعلى شكل تقديم معلومات ضمن الجهة الإخباريّة، ويتقبّل المتكلّم المسؤوليّة عن الرسائل، وفي عدد من الحالات، استُخدمت فقرات بجهات نحويّة معيّنة للتعبير عن التعجّب أو التحذير أو الدعاء أو اللعن، والتي لها دور مهمّ في تبيان الشحنة الدلاليّة للفقرات. وقد حصل عملنا البحثي هذا أيضًا على نتائج مماثلة في هذا السياق، حيث نالت الجهة العاطفيّة بالإضافة إلى الجهة الإخباريّة، نصيبها في تحريض الجمهور وحثّهم. أمّا الدراسة التي قام بها بيمان صالحي (2022: 193-169) بعنوان «قراءة جديدة لخطبة الجهاد للإمام عليعليه السلام بناءً على نظريّة الوظيفة العليا التواصليّة النصّيّة (الاتّجاه الوظيفي لهاليداي)»، فتصرّح بأنّ غالبيّة فقرات الخطبة المذكورة، تحتوي على بادئات مركّبة، وأنّ التعبير عنها بهذه البادئات تحديدًا، كان نقطة مناسبة لإلقاء الكلام، وذلك يبرهن على تماسك النصّ. وقد تناولت براندوجي ومحتشم (2018: 37-10) في دراستهما تحت عنوان «الاستعارات المعرفيّة وتأثيرها في ترجمة نهج البلاغة (خطبة الجهاد في ترجمتَي شهيدي وفيض الإسلام أنموذجًا)» الاستعارات المفاهيميّة، وقامتا بتقسيمهما إلى الاستعارات المشتركة والاستعارات الخلّاقة، حيث تمّ استخراج مفهوم جديد وخلّاق بمنحى بلاغيّ وأدبيّ وتفسيريّ. كما أنّ محمد شيخ ومهوش صفر نجاد في مقالتهما «دراسة الأغراض الثانويّة للجمل الإنشائيّة الطلبيّة في خطَب نهج البلاغة» والتي نُشرت في المؤتمر الدولي للثقافة والفكر الديني عام 2014، بادرا إلى مناقشة المقاصد الثانويّة للجمل الإنشائيّة والطلبيّة، وكانت النتيجة أنّ الجمل الموجودة في خطَب نهج البلاغة في أغراضها الثانويّة، كثيرًا ما أوردتها الكتب البلاغيّة، وإلى جانب هذه الأغراض، توجد أغراض مستحدثة كالقناعة، والتحذير، والتوبة، والكراهية، و...، ممّا لم تأتِ الكتب البلاغيّة على ذكره. يرى الدكتور طاهر القحطاني (2000: 474-443) في مقالته المعنونة بـ «المعاني الثواني عند عبد القاهر الجرجاني من خلال الكناية والاستعارة والتمثيل» أنّ المعاني الثواني لدى عبد القاهر الجرجاني، تُعتبر مصطلحات بلاغية، وتشمل الكناية والاستعارة والتمثيل، ويمكن إدراكها من خلال علم المعاني اللغوي أو المعاني الأوائل. في مجال القرآن الكريم، أجريت أبحاث أقرب إلى هذا الموضوع، فعلى سبيل المثال، قام نعيم عموري في مقالة له بعنوان «دراسة الدلالة الهامشيّة في آيات من القرآن الكريم» نُشرت في مجلّة اللغة العربيّة وآدابها (ربيع 1438هـ.) بدراسة معنى المعنى في آيات من سور النساء، والنور، والمؤمنون، والزمر، فأشار بعد ذكره للمعنى والمقصود الأصلي والمحوري، إلى المعانى الثواني والهامشيّة لهذه الآيات ضمن الكنايات والاستعارات والتشبيهات. ومن جملة النتائج المتحصّلة من تلك المقالة، أنّ معنى المعنى له صلة مباشرة بالمعنى الأوّل، وإنّه تكملة له، وهذا ما يؤكّده بحثنا هذا. أمّا بجمان ظفري في مقالته «تحليل معنى المعنى ودراسته الجماليّة في القرآن الكريم (التقديم والتأخير في عشر آيات مشابهة أنموذجًا)» والتي نشرتها مجلّة الدراسات الأدبيّة للنصوص الإسلاميّة الفصليّة في خريف 2018، فبادر إلى معالجة معنى المعنى في حالات التقديم والتأخير الخاصة بعشر آيات من القرآن، ووصل إلى قناعة بأنّ معنى المعنى في القرآن الكريم يمكن استخلاصه من ناحيتين، إحداهما من ناحية الذوق الرفيع والطبع السليم، والأخرى من منطلق السياق اللغوي وسير الكلام في النصّ، والذي يتضمّن الرسائل والدلالات الحديثة بالنظر إلى أجواء النصّ، إلّا أنّ ما يميّز العمل البحثي الحالي عن غيره من الأبحاث هو أنّ هذا المجهود يلقي الضوء على المعنى الهامشيّ وغير المباشر للعبارات الاستعاريّة والكنائيّة عن طريق دراسة المستوى النحوي والدلالي والعناصر الباعثة على التماسك للجمل، ولا يقتصر كسائر الأبحاث، على ميزة واحدة.
1-3 المبادئ النظريّة للبحث
لقد حاول الباحثون، منذ قديم الزمان وإلى يومنا هذا، أن يتمكّنوا من استكشاف المعنى بطرق مختلفة. إنّ الجرجاني هو في عداد المفكّرين الذين أسهموا بآرائهم في هذا المجال، وقد أسّس بذهنه الجمالي والعميق، لمبادئ نظريّة النظم. إنّه يرى أنّ نظم الكلام يعني أن تضع أساس الكلام كما يقتضيه علم النحو، وأن تبني الكلام على قوانين هذا العلم وأصوله، وأن تعرف الطرق التي يأتي الكلام على أساسها، وألّا تحيد عنها، وأن تحدّد مواضع الحروف والكلمات في الجمل، وأن تستخدم التعريف والتنكير، والتقديم والتأخير، والحذف والتكرار، والإظهار والإضمار، و... في مواطنها الصحيحة (انظر: الجرجاني، 2014: 70). لا يُراد بنظم الكلام، الوصل بين المفردات ورصفها عشوائيًّا، بل المقصود به تتابع المعاني وترتيبها في ذهن الإنسان ونفسه، بحيث يدلّ هذا الأمر على نيّة المتكلّم، ولا يمكن استبدال كلمة بأخرى بسبب ميزتها الخاصّة بها، وهذا النظم يشبه الرسم، والتلوين، والخطّ، وهو كلّ ما تُخلق به صورة، وعلى أساس هذه الميزات، يُفهم مدى فصاحة الكلام وبلاغته (انظر: وليد محمّد مراد، 1983: 156). من وجهة نظر عبد القاهر، ينقسم الكلام إلى قسمين: «أحدهما هو ما يصل به المتلقّي إلى غرضه بالاعتماد على اللفظ ذاته، فمثلًا حينما يريد المتكلّم أن يخبر عن قيام زيد، يقول: «خرج زيد.» والقسم الثاني هو الذي لا يُستنبط فيه غرض المتكلّم ومقصوده بواسطة الألفاظ فحسب، بل يستدلّ الذهن باللفظ على معنى يقتضيه وضعُه في اللغة، ثمّ يجد دلالة أخرى لذلك المعنى، حيث يبلغ بواسطته، هدفه المنشود، ومحور هذا البحث هو الكناية والاستعارة والتمثيل، مثلما أنّه يُفهم تكريم الضيف من المصطلح «كثير الرماد»، ويُفهم طول القامة من المصطلح «طويل النجاد»، وإذا فهمنا مفهوم هذه الجملة، تدلّ عليها عبارة موجزة هي معنى المعنى. ويُقصد بمعنى المعنى أنّه نفهم من اللفظ معنى، ثمّ يسوقنا ذلك المعنى إلى معنى آخر» (الجرجاني، 2014: 179-178). في رأي الجرجاني، من غير الممكن فهم الكلام والاستنباط منه دون إدراك معنى المعنى. يقول حمّادي العبيدي حول هذا المصطلح: «ليس هناك أي تضادّ أو مفارقة بين معنيين اثنين في نظام الكلام، بل بينهما صلة وثيقة وثنائيّة. إنّ التمعّن في المعنى الأوّل وأسلوبه وسياقه، يوصلك إلى المعنى الثاني، ويكشف عن الأسرار والرموز الخفيّة وراء المعنى الثاني» (حمّادي العبيدي، 2012: 88). في النصوص الوحيانيّة والدينيّة، يُعتبر البحث عن نيّة صاحب النصّ أهمّ عامل في فهم المعنى، ومن واجب القارئ، الاهتداء إلى هذا المقصود عبر الضوابط اللغويّة وسبر أغوار المعنى. بما أنّ أغلب المفاهيم والمواضيع الدينيّة، تجريديّة وغير ملموسة، وتُعدّ الاستعارة والكناية أداتين مهمّتين للتعبير عن المفاهيم والتجارب التجريديّة على أساس التجارب الأكثر موضوعيّةً، فإنّ ضرورة دراسة هذين المحسّنين البديعيّين، كواحدة من أهمّ أدوات النظام المعرفي والإدراكي للإنسان، تسترعي الاهتمام أكثر من ذي قبل.
إنّ ما يُقال من أنّ الكناية أبلغ من التصريح، لا يُقصد به إضافة شيء إلى ذات المعنى، بل المراد به هو أنّنا نضيف شيئًا إلى إثبات المعنى وتوكيده، وبالنتيجة، نجعله أكثر توكيدًا وبلاغةً، فمثلًا في العبارة «هو جمّ الرماد»، ليس المقصود الدلالة على كثرة عدد الضيوف، بل إثبات كون الشخص مضيافًا. وينطبق ذلك بالضبط على الاستعارة أيضًا، فحينما يُقال: «رأيتُ أسدًا»، لا يُراد إثبات الزيادة في الشجاعة، بل التوكيد والتحديد في إثبات تساوي شجاعة الأسد مع شجاعة الشخص (مساواتهما في الشجاعة) (الجرجاني، 2014: 62).
تمكّننا الاستعارة من إدراك موضوع تجريديّ نسبيًّا أو عديم البنية ذاتيًّا حسب موضوع أكثر عينيّةً أو أكثر هيكَلَةً على أقلّ تقدير. ومن هنا، حيثما يكون موضوع الخطاب هو المفاهيم الميتافيزيقيّة والسامية مثل الله، والروح، والعالم بعد الموت، والوحي، و...، فإنّ الطريق الوحيد الذي يواجهه الذهن من أجل التصوّر، هو إقامة علاقة استعاريّة بين هذه المفاهيم ومفاهيم أكثر وضوحًا (انظر: نور محمّدي وآخرون، 2012: 192-155). من وجهة نظر عبد القاهر، في الاستعارة قدرات وجماليّات خفيّة لا نستطيع توضيحها ما لم نعلم بالهيكليّة (النظم) ونكتشف جوهرتها، وبحسب رؤيته، فإنّ الاستعارة تحصل على هويّتها وقيمتها وهي موجودة في تركيب الكلام (عبد الحسيني، 2013: 102-73). يوجّه عبد القاهر نقده لاتّجاه السلف نحو الاستعارة. ويعتبر الاستعارة بمنزلة تفاعل خيالي، ومن خلال مزجه للصفات والميزات الخفيّة في المشبّه والمشبّه به، يخلق معنى يسع لمفاهيم كثيرة. استخدام الكناية في الكلام يفضي إلى ظهور مظاهر من الجمال تبهر العيون وتنشئ نقاطًا رقيقة ودقيقة تجعل الإنسان عاجزًا عن وصفها، وهذه العبارات الساحرة، تبلغ بالبلاغة درجةً لا يتسنّى إلا لشاعر خبير وقدير، ومتكلّم فصيح وبليغ، أن يبلغ درجات المهارة والكمال فيها (انظر: الجرجاني، 2004: 297). بما أنّ عبارات نهج البلاغة تتمتّع بأسلوب وسياق أنيقين، ومفاهيم معمّقة، ولغة أدبيّة، وبنية فصيحة وبليغة، وأنّ معنى المعنى يشير إلى المفاهيم المجازيّة والثانويّة للعبارات. ونجد عبارات بهذا الأسلوب كثيرًا في خطبة الجهاد، وذلك في الحالات التي يوجّه الإمام فيها كلامه نحو إثارة الروح الحماسيّة والغيرة والشجاعة لدى الجمهور، وتأجيج مشاعرهم وأحساسيهم، فسنتناول دراسة معنى المعنى في الاستعارات والكنايات المفاهيميّة الموجودة في هذه الخطبة استنادًا إلى نظريّة النظم للجرجاني.
2. البحث
2-1 دراسة المستوى الدلالي للخطبة (التعابير الاستعاريّة والكنائيّة)
فضل الجهاد
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْجِهَادَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ... هُوَ لِبَاسُ التَّقْوَى وَدِرْعُ اللهِ الْحَصِينَةُ وَجُنَّتُهُ الْوَثِيقَةُ فَمَنْ تَرَكَهُ رَغْبَةً عَنْهُ أَلْبَسَهُ اللهُ ثَوْبَ الذُّلِّ وَشَمِلَهُ الْبَلَاءُ وَدُيِّثَ بِالصَّغَارِ وَالْقَمَاءَةِ وَضُرِبَ عَلَى قَلْبِهِ بِالْإِسْهَابِ...
من الوسائل التي يلجأ إليها الإمامعليه السلام في تجسيد القضايا وتقريبها إلى الأذهان، توظيف الأمور الحسّيّة والقابلة للفهم. في بداية الخطبة، يستفيد الإمامعليه السلام عند وصفه للجهاد، أداة حسّيّة مثل «الْبَاب»، و«اللِّبَاس»، و«الدِّرْع»، و«الْجُنّة»، و«الثَّوْب»، ويرسم الأجواء المطلوبة بما يتناسب ومعنويّات الجمهور واتّجاهاتهم، ويعمد إلى تبيان فضائل الجهاد. وبعد ذلك، يصوّر أوصاف الجهاد ضمن ثلاث استعارات هي «لِبَاسُ التَّقْوَى»، و«دِرْعُ اللهِ الْحَصِينَة»، و«جُنّتُهُ الْوَثِيقَة». وفي العبارة «هُوَ لِبَاسُ التَّقْوَى.» التي شُبّه فيها الجهاد باللباس، يمكن تصوّر الجهاد، الذي له صلة مباشرة بنفس الإنسان، وكأنّه لباس من حيث التصاقه بالجسم وحمايته المباشرة له. يدلّ هذا التركيب على سهولة نيل التقوى، ويدلّ التركيبان «دِرْعُ الله» و«جُنّته [= الله]» على تعظيم المضاف وتقديسه عن طريق إضافة هاتين اللفظتين إلى اسم الجلالة (بشارتي، 2018: 167). في العبارة الاستعاريّة «لِبَاسُ التَّقْوَى» التي هي استعارة تصريحيّة، حُذف المستعار له (الْجِهَاد) وجاء المستعار منه (اللِّبَاس)، وأمّا وجه الشبه في كليهما، فهو «الحماية والردع». الجهاد واللباس يتطابقان من نواحٍ عديدة، منها أنّه مثلما أنّ اللباس يُخفي عن الأنظار، المساوئ والعيوب الظاهرة ويضفي الجمال على مظهر الشخص، فإنّ الجهاد هو الآخر بمثابة غطاء وأداة لمواجهة الانحرافات والاعوجاجات. في العبارتين «دِرْعُ اللهِ الْحَصِينَة» و«جُنَّتُهُ الْوَثِيقَة» توجد استعارة تصريحيّة مرشّحة، وفيهما تكون «الدِّرْع» و«الجُنَّة» مستعارًا منهما، وهما حسّيتان وقابلتان للّمس، وأمّا «الجِهَاد» الذي هو مستعار له، فهو عقلي وتجريدي، ووجه الشبه بوصفه المقصود الأصلي للإمامعليه السلام هو الحصانة والردع. يستفيد الإمامعليه السلام في هذه العبارات من أمور حسّيّة مهمّة أكثر استخدامًا وأشدّ ردعًا في الحرب والجهاد، ويُطَمئن الجمهور أنّه مثلما تنقذ «الجُنَّة» و«الدِّرْع» روح المقاتل في مواجهة هجمات العدوّ، فإنّ الجهاد هو الآخر يحمي الإنسان من الحملات. هنا يدلّ ذكر المفردتين «الحَصِينَة» و«الْوَثِيقَة» على الترشيح، وهاتين الصفتين هما مما يلائم المشبّه به ويناسبه، أي «الدِّرْع» و«الجُنَّة». وممّا يبعث على التأمّل هنا، استخدام الصفة «الحَصِينَة» للدرع، والصفة «الْوَثِيقَة» للجُنّة. بما أنّ «الدِّرْع» تغطّي الجسم كلّه، فإنّه كالسور الذي يُضرب حول المدينة كي تُحمى المدينة من هجوم الأجانب، ولهذا يُطلق عليه «الحصن». أمّا «الدِّرْع» فهي أيضًا كذلك، والتي تصون الجسم كلّه من المخاطر، لكنّ «الجُنَّة» بما أنّها لا تحيط بالجسم، لا يمكن استخدام «الحَصِينَة» بالنسبة لها، بل من صفاتها، الرصانة والمتانة، ولهذا السبب، استعمل الإمام الصفة «الوَثِيقَة» بالنسبة لها (انظر: نقوي قائني: 1440هـ.: 5/285). في العبارة الاستعاريّة «أَلْبَسَهُ اللهُ ثَوْبَ الذُّلِّ»، «الثَوْب» مشبّه به، و«الذُّلّ» مشبّه. وفي على الصعيد اللغوي، يُراد بـ «الثَّوْب» الملبس والغطاء، ولكن على الصعيد البلاغي الذي يدلّ على المعنى الثاني، يُقصد به الإحاطة والشمول، أي شمول الذلّة والهوان لتارك الجهاد، تمامًا كما يغطّي اللباس لابسَه، ووجه الترشيح هو «اللباس». اعتبر شهيدي في ترجمته لـ «شَمِلَهُ الْبَلَاءُ»، البلاء بمثابة جيش يحلّ أفراده على المرء أفواجًا ويحيطون به (شهيدي، 1999: 39). إنّ البلاء والخطوب التي تشمل أيّ نوع من أنواع العقوبة، جاءت ضمن التشبيه المعقول، واعتُبر الجيش أو اللباس أو الحيوان المفترس في عداد التشبيه المحسوس حتّى يتجسّد البلاء أو النائبة أمام أعين الجمهور.
إنّ العبارة «ضُرِبَ عَلَى قَلْبِهِ بِالْإِسْهَابِ» استعارة، مثل قوله تعالى: ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ﴾ (آل عمران: 112). وجه الشبه في الاستعارة هو شمول الذلّ، كما أنّ البناء أو الصرح المشيّد يحيط بالأفراد الموجودين فيه، أو أنّه يستلزم الهوان والتعاسة والسفه، كما أنّ الفلسفة الكامنة وراء وجود الطين هو أن يغطّي الجدار (انظر: البحراني، بدون تاريخ: 220).
الدعوة إلى الجهاد
...لَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ وَالْأُخْرَى الْمُعَاهِدَةِ فَيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وَقُلْبَهَا وَقَلَائِدَهَا وَرِعَاثَهَا... فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي أَيَّامِ الْحَرِّ قُلْتُمْ هَذِهِ حَمَارَّةُ الْقَيْظِ أَمْهِلْنَا يُسَبِّخْ عَنَّا الْحَرُّ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي الشِّتَاءِ قُلْتُمْ هَذِهِ صَبَارَّةُ الْقُرِّ أَمْهِلْنَا يَنْسَلِخْ عَنَّا الْبَرْدُ كُلُّ هَذَا فِرَارًا مِنَ الْحَرّ...
في هذه الفقرة، يتناول الإمام الوقائع الجارية والحوادث الواقعة، وقد استخدم عباراته بمعانيها الأصليّة، وقلّما استعمل جملًا استعاريّة وكنائيّة لكي يستطيع التأثير في عقول الجمهور وأفكارهم. إنّ الإمامعليه السلام ومن خلال استخدامه للجمل التوكيديّة، يسعى لإثبات كلامه. من جملة الاستعارات الموجودة في هذه الفقرة، المفردة «المعاهدة»، حيث توسّع شهيدي في ترجمته لهذه العبارة ليقدّم معناها بشكل أدقّ، واعتبر الاستعارة الخلّاقة بمعنى غير المسلمين الذين يعيشون تحت ظلّ الحكم الإسلامي، وعبّر عنها بـ «الإسلام بمثابة مكان أو ملجأ»، والتي تعني العبارة ضمنيًّا «الاحتماء بأحد» أو «الالتجاء إلى الآخرين» (براندوجي ومحتشم، 2018: 22/38-9). حين رأى الإمام عليعليه السلام أنّ امرأة غير مسلمة تتعرّض للأذى والإساءة، ولا تملك أيّ وسيلة أو أداة للدفاع عن نفسها، استخدم هذه المفردة ضمنيًّا بهذا المعنى دفاعًا منه عن الحقوق الفرديّة للشخص الضعيف واللاجئ. في العبارتين «أَمْهِلْنَا يُسَبِّخْ عَنَّا الْحَرُّ» و«أَمْهِلْنَا يَنْسَلِخْ عَنَّا الْبَرْدُ» اللتين تجريان في إطار الاستعارة المكنيّة، شُبّه الحرّ والبرد بحيوان يُسلخ ويُزال جلده، ووجه الشبه في ذلك هو الخلود إلى النوم والاستقرار والهدوء. «البَرْد» و«الحَرّ» مستعار لهما، والمستعار منهما محذوف وقد ذُكر الفعل «يَنْسَلِخْ» الذي هو من لوازمه وملائماته. لقد بادر الإمامعليه السلام وبالاعتماد على الخروج عن المألوف دلاليًّا وعبر الاستخدام الاستعاري للّغة، إلى التجسيد، وقام عن طريق أحد فروع التجسيد والذي يُسمّى بـ «الاحيائيّة»، بتجسيد الحرّ والبرد وتجسيمهما. هذه الاختيارات المتعمّدة، ومن خلال انحرافها عن اللغة المعياريّة، والإبراز، تنفخ روح الحياة في جسد الطبيعة الهامد، وتنقش صورًا حيّة ومتحرّكة على جسد النصّ» (بشارتي وغفوري فر، 2021: 24). وقد تسبّبت الاحيائيّة هذه بإثارة المخيّلة لدى الجمهور، وزادت من جمالها. كان أهل الكوفة ومن أجل التهرّب من الجهاد الذي هو واجب إلهي، يتذرّعون بأمور كشدّة الحرّ والبرد. والإمام إذ استخدم المصطلح «يَنْسَلِخْ» الخاصّ بالخراف، أشار إلى نقطة دقيقة هي أنّ ذريعة أهل الكوفة حول انحسار الحرّ والبرد، تشبه سلخ جلد الخروف وهو يفيد نهاية شيء ما، بمعنى أنّهم كانوا يتوقّعون أن يذهب عنهم البرد والحرّ نهائيًّا، وهذا لن يحدث أبدًا، وإنّما كان ذلك مجرّد اختلاق للأعذار وتهرّب من المسؤوليّة، ولذلك فإنّ جرّهم إلى ساحة الحرب والجهاد لم يكن ممكنًا قطّ.
مظلوميّة الإمام وأسباب هزيمة الكوفيّين
يَا أَشْبَاهَ الرِّجَالِ وَلَا رِجَالَ حُلُومُ الْأَطْفَالِ وَعُقُولُ رَبَّاتِ الْحِجَالِ لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَرَكُمْ... لَقَدْ مَلَأْتُمْ قَلْبِي قَيْحًا وَشَحَنْتُمْ صَدْرِي غَيْظًا وَجَرَّعْتُمُونِي نُغَبَ التَّهْمَامِ أَنْفَاسًا وَأَفْسَدْتُمْ عَلَيَّ رَأْيِي بِالْعِصْيَانِ وَالْخِذْلَانِ...
حينما تجاهل الكوفيّون نصائح الإمامعليه السلام ومواعظه، وتقاعسوا عن تقبّل المسؤوليّة، غيّر الإمام لهجته في الكلام، فعرّض بهم من خلال كنايات طاعنة وعاتبة، فقال: «يَا أَشْبَاهَ الرِّجَالِ وَلَا رِجَالَ حُلُومُ الْأَطْفَالِ وَعُقُولُ رَبَّاتِ الْحِجَالِ». فإنّ المعنى الأوّل والظاهر لهذه العبارات يشير إلى تشبيه أهل الكوفة بالمتظاهرين بالرجال، والعديمي المروءة، والأطفال السفهاء، والعرائس المخدَّرات، إلّا أنّ معنى معنى العبارات أمره مختلف؛ فإنّ مراد الإمام بالعبارة: «يَا أَشْبَاهَ الرِّجَالِ وَلَا رِجَالَ» هو إشارته إلى خصلتي «الجبن» و«الخوف» لديهم، حيث كانوا يتجنّبون الدخول إلى ساحة القتال وجبهة الجهاد باستمرارهم في التذرّع واختلاق الأعذار، فيمتنعون عن الدفاع في مواجهة هجمات الأعداء. تدلّ العبارة الكنائيّة «حُلُومُ الْأَطْفَال» على الأمانيّ القصيرة المدى والنظرات الصبيانيّة لديهم، حيث كانوا ينخدعون بأتفه الأمور لينهزموا أمام العدوّ، كما أنّ هذه الكناية لها دلالة على تفكيرهم السطحي وسذاجتهم، إذ كانوا يتمسّكون بالمظاهر ويتهرّبون من إدراك الحقائق من دون تحليلهم للقضايا. أمّا العبارة الكنائيّة «عُقُولُ رَبَّاتِ الْحِجَالِ»، فلها إشارة دقيقة وحصيفة إلى تكاسل أهل الكوفة وإهمالهم، حيث لم يكونوا يطيعون أوامر الإمام ويلتزمون الصمت تجاه الحقّ. في العبارتين «لَقَدْ مَلَأْتُمْ قَلْبِي قَيْحًا» و«شَحَنْتُمْ صَدْرِي غَيْظًا»، يعبّر الإمام بلهجة تعريض، عن أوج استيائه وتألّماته النفسيّة، ويشبّه همومه وأحزانه بالقيح والإفراز الدموي الذي لا يخلّف وراءه غير العفن والخبث؛ «ذلك لأنّ أقصى ما يبلغه عضو ما في الجسم، هو تقيّحه» (البحراني، بدون تاريخ: 225). مع البحث في معاجم اللغة ودراسة المفردات، يُفهم أنّه دائرة «الصَّدْر» أوسع من «الْقَلْب»، ولهذا استخدم أمير المؤمنينعليه السلام المفردة «مَلَأْتُمْ» بالنسبة «الْقَلْب»، والمفردة «شَحَنْتُم» بالنسبة لـ «الصَّدْر»، لكي يتناغم اللفظ مع المعنى، وتتجلّى البلاغة المثاليّة للإمامعليه السلام. حينما رأى مولانا عليعليه السلام ما يفعله الكوفيّون باستمرار من أذى وإساءة وشقّ عصا الطاعة، طفح به الكيل، فجرت على لسانه جمل وعبارات ذات مغزى رائع، وعبّر عن هذه العبارات خلافًا لمعانيها الظاهرة، لتبيين شدّة تألّمه ضمنيًّا. «إنّ اختيار المفردة «شَحَنْتُمْ» التي تُستخدم لتحميل البضائع على السفن، من شأنه أن يكون كنايةً عن سعة قلب الإمامعليه السلام ورحابة صدره الذي مُلئ، على رحابته، بالغيظ والغضب بسبب الكمّ الهائل لحالات العصيان والأذى والإساءة من قِبَل الكوفيّين» (بشارتي وآخرون، 2018: 316). تتمثّل ذروة بلاغة الإمامعليه السلام في جملته «جَرَّعْتُمُونِي نُغَبَ التَّهْمَامِ أَنْفَاسًا» وكأنّه يجسّد صورة حيّة وملموسة أمام أعين الجمهور، ويحثّهم على الحراك والنشاط. تتجلّى هذه العبارة الاستعاريّة في أنّ الإمامعليه السلام يمسك بيده لوحة يرسم عليها كيفيّة التصرفات غير اللائقة وغير العقلانيّة للكوفيّين، وهذه ذروة البلاغة والفصاحة التي نلحظها بشكل متكرّر في المعجم الكلامي للإمامعليه السلام. إنّ الاختيار الهادف للفعل «جَرَّعْتُمُونِي» يبرهن جليًّا على التناغم بين اللفظ والمعنى. يتضمّن الفعل «جرّع» من الناحية الوظيفيّة معنى «التدرّج» (انظر: ابن منظور، 1414: 2/253)، ويصوّر ببراعةٍ العصيان المستمرّ والأعذار المتواصلة للكوفيّين وكأنّها شراب غير سائغ يُسقى أحدًا ويسلبه القرار والهدوء طوال الوقت. يوجِد هذا الفعل صورة دقيقة وجميلة للمشبّه به لدى السامع بحيث لا يمكن لغيره من الأفعال أن تحمل معنى وتأثيرًا كالذي لـ «جرّع». الاستخدام الصحيح للكلمات مع الأخذ بنظر الاعتبار، مقتضى الحال والمقام، يُظهِر الهيمنة الكاملة للإمامعليه السلام على الظروف الراهنة، وأنّ الإمام قد عرف الذين يخاطبهم، فيتكلّم إليهم بما يتوافق ومؤشّراتهم السلوكيّة. على الصعيد اللغوي، يُقصد بـ «جَرَّعْتُمُونِي» سقاية الماء جرعةً جرعة؛ ولكن على الصعيد البلاغي، فإنّ الشعاع المفاهيمي يتّسع، ما يشير إلى دوام الأمر وتجدّده المستمرّ، ويدلّ على ما يرتكبه الكوفيّون من الأذى والإساءة الدائمين. في العبارة «أَفْسَدْتُمْ عَلَيَّ رَأْيِي بِالْعِصْيَانِ وَالْخِذْلَانِ»، فقد شُبّه الفعل «ألغى» بـ «أفسد»، وذلك من الاستعارة التصريحيّة التبعيّة» (غفوري فر وبشارتي، 2021: 25). هنا يشكو الإمام عليعليه السلام من طريقة تعامل أهل الكوفة قائلًا: بعصيانكم وعدم اكتراثكم لأوامري، جعلتم آرائي عديمة الأثر لدى عامّة الناس، وكنتم السبب في أن يظنّ الناس أنّ الضعف والنقص مردّهما إليّ، في حين أنّه لا أحد يملك ما أملكه من الخبرات القتاليّة في المواقف الصعبة والعصيبة، ولم يشقّ أحد غباري في معترك الكفاح والجهاد. إنّ معنى المعنى الذي يمكن استنباطه من هذه العبارة هو التجاهل وعدم الاهتمام، حيث عبّر الإمامعليه السلام عن ذلك ضمن هذه المفردات.
2-2 دراسة المستوى النحوي للاستعارات والكنايات
نظرًا إلى أنّ النظم يتمحور حول الأغراض النحويّة والجهات الكلاميّة التي يتحقّق الكلام فيها ولا يمكن تحديد رقم معيّن بالنسبة لهذه الجهات النحويّة والمقاصد، بل إنّ هناك أنواعًا مختلفة لكلّ موضوع بحسب نوع الكلام (انظر: الجرجاني، 2014: 73)، فقد حاولنا في هذا المجهود البحثي، تقييم العناصر المهمّة الباعثة على التماسك، والمكوّنة لمعنى المعنى في الجمل، ومن هذه العناصر: الجمل الاسميّة والفعليّة، والتكرار النحوي، والجهة النحويّة، وطول الجمل، باعتبارها عيّنات من أهمّ الجهات النحويّة المستخدمة في هذه الخطبة، وقمنا باستعراض الأغراض الخفيّة في كلّ واحد من هذه المقاصد النحويّة.
2-2-1 الجمل الاسميّة والفعليّة
لقد استُخدمت في خطبة الجهاد، 11 جملة استعاريّة و5 جمل كنائيّة. نظرًا إلى أنّ أمير المؤمنينعليه السلام قد ألقى هذه الخطبة ضمن ثلاث فقرات، فإنّ أسلوبه يختلف باختلاف المحتوى والرسالة لكلّ فقرة. ففي الفقرة الأولى، بادئ ذي بدء، أثّر الإمامعليه السلام في المستمعين في إطار ثلاث جمل اسميّة استعاريّة هي «هُوَ لِبَاسُ التَّقْوَى»، و«دِرْعُ اللهِ الْحَصِينَة»، و«جُنَّتُهُ الْوَثِيقَة» بلغة أدبيّة طافحة بالمواعظ والنصائح، وتحّدث بجمل في باب فضيلة الجهاد وقيمته، تترك تأثيرها في كل فرد ولو كان عديم الشعور وغليظ القلب. يستفيد الإمامعليه السلام عند وصفه للجهاد، من أشدّ المفردات تأثيرًا ووقعًا في القلب. تفتقد الجملة الاسميّة خلافًا للفعليّة، إلى الزمن، ويمتزج معها الثبوت والدوام؛ ولهذا، استخدم أمير المؤمنين الجهاد في هيئة جمل اسميّة، ليؤكّد على مستعميه أنّه من يعتبر الجهاد في سبيل الله واجبًا له، يكنْ مصونًا من شرّ الأعداء، ويتمتّع في الآخرة، كما وعد الله تعالى في الآية 95 من سورة النساء، بأجر عظيم. مع استعمال الاسم بدلًا من الفعل، تسود أجواء من الثبوت والسكون. وقد شرح الإمام عليعليه السلام، باستخدامه للجمل الاسميّة، الجهاد بأفضل صورة وبأوصاف حسّيّة وموضوعيّة، حتّى يلتزم المستمع الصمت حيالها ولا يتمكّن من الردّ عليها، وهذا يفيد حتميّة كلام أمير المؤمنين وتأكُّده. كلّما استُخدمت الأسماء والصفات أكثر، قرب النص إلى الأسلوب العلمي أكثر، وإذا كانت هناك زيادة في استخدام الفعل، يكون للنص تقارب ألصق مع الأسلوب الأدبي (انظر: مصلوح، 1992: 74). يختلف الفعل عن الصفة في أنّ الفعل يتعامل تعاملًا أكثر مع إحساس الإنسان وشعوره وإدراكه، بينما تتّصل الصفة أو الاسم غالبًا بالأمور العقلانيّة والأفكار الخاصّة بالإنسان. بعدما عبّر الإمامعليه السلام عن فضائل الجهاد وحسناته بلغة ليّنة ومؤثّرة، خاطب تاركي الجهاد، متناولًا تبعات ترك الجهاد ضمن جمل فعليّة استعاريّة بشكل متواصل. ومن مميّزات الاستعارات الفعليّة، التقصّي ودقّة النظر، ونتيجةً لذلك، يعمد الشاعر أو الأديب البارع إلى الانزياح، ويبادر إلى خلق استعارات نادرة ومستحدثة، ويقوم مستعينًا بذوقه الجمالي وخياله الرقيق، بالإبداع، فيعبّر عن رسالته في نطاق رحب من الاستعارات الخلّابة والمغرية. «إسناد الفعل المختصّ بفاعل إلى فاعل آخر، والتداول الاستعاري بين الأفعال، يفضيان إلى تنشيط الفكر وتحريك الأسلوب» (فتوحي، 2012: 317). من جملة النقاط التي تستحقّ تأمّلها في هذه الفقرة من أقوال الإمام، معرفة الجمهور والنظرة السيكولوجيّة لديه. يعدّد الإمامعليه السلام من خلال بنية تقابليّة رائعة، مساوئ ترك الجهاد وتداعياته؛ وفي الاستعارات الفعليّة «أَلْبَسَهُ اللهُ ثَوْبَ الذُّلِّ»، و«شَمِلَهُ الْبَلَاءُ»، و«ضُرِبَ عَلَى قَلْبِهِ بِالْإِسْهَابِ»، قام الإمامعليه السلام بتصوير «شمول الذلّة والهوان»، و«إحاطة البلاء والضعة» بتاركي الجهاد تصويرًا جميلًا. في الفقرة اللاحقة، غيّر الإمام لهجته فجرت على لسانه جمل احتفظت بوظيفتها التوثيقيّة وترتيبها النوويّ، وتميّزت بحقيقة عقليّة وتجريديّة. هدَف الإمامعليه السلام في هذه الفقرة إلى التأثير في اتّجاه الكوفيّين ونظرتهم، لكي يبيّن الواقعيّات الموجودة في إطار جمل موضوعيّة ورسميّة. في نهاية هذه الفقرة، حينما يدعو الإمام أهل الكوفة إلى الجهاد، وهم يستنكفون عنه بحجج واهية، يلقي الجمل الفعليّة الاستعاريّة «أَمْهِلْنَا يُسَبِّخْ عَنَّا الْحَرُّ» و«يَنْسَلِخْ عَنَّا الْبَرْدُ». في الفقرة الأخيرة من الخطبة، انبرى لذمّ أهل الكوفة ومعاتبتهم، واستخدم تركيبًا من الاستعارات والكنايات. إنّ نسبة التكرار الكبيرة للتراكيب الكنائيّة تنمّ عن أنّ الإمامعليه السلام وعبر استخدامه لجمل طاعنة وعاتبة، سعى وراء تأجيج مشاعرهم وتحريضهم على الجهاد، حتى يكون قد استنفد آخر الوسائل التحفيزيّة لديه من أجل اجتذابهم.
الجدول رقم 1: تكرار الجمل الاستعاريّة والكنائيّة المستخدمة في خطبة الجهاد
العبارة | المحسِّن البديعي الموجود | نوع الجملة | المعنى الكنائي أو الاستعاري |
هُوَ لِبَاسُ التَّقْوَى | الاستعارة التصريحيّة | الاسميّة | الحماية والردع |
دِرْعُ اللهِ الْحَصِينَةُ | الاستعارة التصريحيّة المرشّحة | الاسميّة | الحصانة والردع |
جُنَّتُهُ الْوَثِيقَةُ | الاستعارة التصريحيّة المرشّحة | الاسميّة | الحصانة والردع |
أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ الذُّلِّ | الاستعارة التصريحيّة المرشّحة | الفعليّة | شمول الذلّة والهوان |
شَمِلَهُ الْبَلَاءُ | الاستعارة المكنيّة | الفعليّه | الشمول المترامي الأطراف |
ضُرِبَ عَلَى قَلْبِهِ بِالْإِسْهَابِ | الاستعارة المكنيّة | الفعليّة | الإحاطة والشمول |
يَدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ وَالْأُخْرَى الْمُعَاهِدَةِ | الاستعارة التصريحيّة | الفعليّة | اللجوء |
أَمْهِلْنَا يُسَبِّخْ عَنَّا الْحَرُّ | الاستعارة المكنيّة | الفعليّة | الاستقرار والهدوء |
أَمْهِلْنَا يَنْسَلِخْ عَنَّا الْبَرْدُ | الاستعارة المكنيّة | الفعليّة | الخلود إلى النوم |
يَا أَشْبَاهَ الرِّجَالِ وَلَا رِجَالَ | الكناية عن الصفة | الفعليّة | الخوف والجبن |
حُلُومُ الْأَطْفَالِ | الكناية عن الموصوف | الفعليّة | النظرة الصبيانيّة |
عُقُولُ رَبَّاتِ الْحِجَالِ | الكناية عن الموصوف | الفعليّة | العرائس الجدد الدعاة للدعة والعديمات الخبرة |
لَقَدْ مَلَأْتُمْ قَلْبِي قَيْحًا | الكناية عن الصفة | الفعليّة | ذروة التضايق والاستياء |
شَحَنْتُمْ صَدْرِي غَيْظًا | الكناية عن الصفة | الفعليّة | ذروة التضايق والاستياء |
جَرَّعْتُمُونِي نُغَبَ التَّهْمَامِ أَنْفَاسًا | الاستعارة التصريحية التبعية | الفعليّة | إلحاق الأذى والإساءة بصفة مستمرّة |
أَفْسَدْتُمْ عَلَيَّ رَأْيِي بِالْعِصْيَانِ وَالْخِذْلَانِ | الاستعارة التصريحية التبعية | الفعليّة | إلغاء التأثير |
من أصل الـ 16 استعارةً وكنايةً المستخدمة في هذه الخطبة، 13 حالة منها فعليّة، و3 حالات منها فقط اسميّة. إنّ استخدام الاستعارات والكنايات الفعليّة يُظهِر حركيّة الإمام وديناميكيّته في نقل المفاهيم المطلوبة. في الحالات التي حاول فيها الإمامعليه السلام تحفيز الجمهور، وظّف الاستعارات الفعليّة، ومن خلال إفادته من المفردات الحسّيّة والإدراكيّة، بادر إلى خلق صور حيّة وناشطة حتّى يترك تأثيره في أضعف أفراد الجمهور أيضًا. استُخدمت حالتان من الكناية عن الموصوف، و3 حالات من الكناية عن الصفة. إنّ القيمة البيانيّة للكناية عن الصفة بسبب وجود الدلالات والمستلزمات الخفيّة فيها، أكثر منها في الكناية عن الموصوف (الجهني، 1425: 135). ولذلك عبّر الإمام عن أشدّ شكاواه وتألّماته في الجملتين الكنائيّتين «لَقَدْ مَلَأْتُمْ قَلْبِي قَيْحًا» و«شَحَنْتُمْ صَدْرِي غَيْظًا» اللتين هما من نوع الكناية عن الصفة وتدلّان على ذروة تضايقه.
2-2-2 التكرار النحوي
أحد المحسّنات البديعيّة التي يستخدمها الشاعر أو الأديب بغية لفت انتباه القرّاء أو المستمعين إلى موضوع معيّن وبالغ الأهمّيّة، هو التكرار النحوي. «تكرار النمط النحوي حيلة لم يعرها علماء البديع عندنا اهتمامهم، في حين أنّها حيلة مبرّزة وجميلة... في تكرار النمط النحوي، بما أنّ الميزات النحويّة للفقرة أو المصراع الثاني، تؤدّي إلى الفقرة أو المصراع الأوّل، يلتذّ الذهن بهذا التلقّي» (وحيديان كاميار، 2000: 58-57). إنّ ما يتكرّر، يُنقش على أعماق الضمير اللاواعي للإنسان، ويصبح ملكة لديه على مرّ الزمن (انظر: أحمد بدوي، 2005: 112). يكمن الهدف من التكرار، الاهتمام بالمقصود الأصلي للمتكلّم، والذي يُلفت من خلاله، انتباه المستمع أو القارئ أكثر، وتنتقل الرسالة على نحو أحسن. في العبارات «هُوَ لِبَاسُ التَّقْوَى وَدِرْعُ اللهِ الْحَصِينَةُ وَجُنّتُهُ الْوَثِيقَةُ» عدّد الإمامعليه السلام عبر تكراره خبر المبتدأ نحويًّا، خصائص الجهاد ضمن إطار خبريّ مختلف في كلّ مرّة، ولإدراك هذه المفاهيم الذهنيّة والتجريديّة بشكل أحسن، كرّر الإمام الصفات الملموسة والموضوعيّة حتّى تترسّخ في عقول الجمهور ويجدوا الرغبة والدافع للانطلاق نحو ساحة القتال. مباشرةً بعد تكرار الخصائص الإيجابيّة للجهاد، وفي الإطار والمضمون نفسهما، تناول نحويًّا تكرار المساوئ المترتّبة على ترك الجهاد وآفاته، وأكّد على مذلّة تاركي الجهاد وهوانهم بمفاهيم مختلفة تتمثّل بـ «ثَوْبَ الذُّلِّ»، و«شَمِلَهُ الْبَلَاءُ»، و«ضُرِبَ عَلَى قَلْبِهِ بِالْإِسْهَابِ»، وبهذا التكرار، حذّر من شدّة وضخامة ما سيتعرّضون له من الذلّ والهوان. في العبارتين «أَمْهِلْنَا يُسَبِّخْ عَنَّا الْحَرُّ» و«أَمْهِلْنَا يَنْسَلِخْ عَنَّا الْبَرْدُ»، رسم الإمامعليه السلام على لسان أهل الكوفة، ومن خلال التكرار النحوي وإنشاء أجواء موسيقيّة، محاولات التلكّؤ والتذرّع من قِبَل الكوفيّين، وكأنّه بهذا التكرار، ينبّه الكوفيّين نوعًا ما على إضاعتهم للفرصة وإبطائهم في المبادرة. كذلك في العبارات «يَا أَشْبَاهَ الرِّجَالِ وَلَا رِجَالَ حُلُومُ الْأَطْفَالِ وَعُقُولُ رَبَّاتِ الْحِجَالِ» بالإضافة إلى الموسيقى والإيقاع المتناسق للجمل والذي أضفى جلاءً على اللفظ والمعنى وأفضى إلى التماسك الدلالي، ومن خلال التكرار النحوي للمنادى، نادى الإمام الكوفييين بأسخف الجمل، ومن المعاني الهامشيّة لهذا التكرار، التعبير عن التحسر والحزن، والاستهزاء والسخرية، وكذلك الحطّ من شأن أهل الكوفة. وبعد ذلك، عبّر الإمامعليه السلام، عن شدّة استيائه وتضايقه بجمل متكرّرة وقصيرة تنمّ عن تجرّعه لأشدّ المرارات، وباستخدامه للتكرار النحوي، قام بنقل المضامين والأسرار الكامنة في صدره، والتي نتجت عن السلوك الطاغي والعاصي للكوفيّين. إنّ الإمامعليه السلام وعبر تكراره للمفاهيم الموائمة لما سبقها، والتي تلتذّ بها الأنفس من حيث عذوبة ألحان كلماتها، أعرب عن تضايقه واستيائه بالقول: «لَقَدْ مَلَأْتُمْ قَلْبِي قَيْحًا»، و«شَحَنْتُمْ صَدْرِي غَيْظًا»، و«جَرَّعْتُمُونِي نُغَبَ التَّهْمَامِ أَنْفَاسًا»، و«أَفْسَدْتُمْ عَلَيَّ رَأْيِي بِالْعِصْيَانِ وَالْخِذْلَانِ». من بين الـ 16 استعارةً وكنايةً المستخدمة في خطبة الجهاد، حدثت 15 حالة من التكرار النحوي، حيث حاز النصيب الأوفر بنسبة 74/93 في المائة، وقد كانت أغلب هذه التكرارات بهدف إقناع المستمعين وتحفيزهم. من الأهداف الأخرى التي تطلّع إليها الإمامعليه السلام في التكرارات النحويّة المتواصلة، توكيده على أقواله وتحريض الجمهور على الأمر المطلوب، حيث يكون لها صلة مباشرة بمعنى معنى العبارات. من أصل الـ 15 حالة من التكرار النحوي، كانت 3 حالات منها فقط إيجابيًة، وأمّا الـ 12 حالة المتبقّية، فكانت سلبيّة، واستُخدمت غالبًا لإنذار أهل الكوفة والتعريض بهم وذمّهم وتوبيخهم. في الحالات التي تمّ فيها التكرار النحوي بواسطة واو العطف، فذلك لأنّ «واو العطف في البنى النحويّة المتناسقة، تزيد من تسارع الكلام وتجعل الأسلوب أكثر نشاطًا» (فتوحي، 2012: 277).
الجدول رقم 2: نسبة التكرار النحوي في خطبة الجهاد
العبارة | نوع التكرار | الاتّجاه الدلالي |
هُوَ لِبَاسُ التَّقْوَى | ---------------- | الإيجابي |
دِرْعُ اللهِ الْحَصِينَةُ | تكرار خبر المبتدأ | الإيجابي |
جُنَّتُهُ الْوَثِيقَةُ | تكرار خبر المبتدأ | الإيجابي |
أَلْبَسَهُ اللهُ ثَوْبَ الذُّلِّ | ---------------- | السلبي |
شَمِلَهُ الْبَلَاءُ | العطف | السلبي |
ضُرِبَ عَلَى قَلْبِهِ بِالْإِسْهَابِ | العطف | السلبي |
أَمْهِلْنَا يُسَبِّخْ عَنَّا الْحَرُّ | ---------------- | السلبي الإيجابي |
أَمْهِلْنَا يَنْسَلِخْ عَنَّا الْبَرْدُ | تكرار الجملة | السلبي الإيجابي |
يَا أَشْبَاهَ الرِّجَالِ وَلَا رِجَالَ | ---------------- | السلبي |
حُلُومُ الْأَطْفَالِ | تكرار المنادى | السلبي |
عُقُولُ رَبَّاتِ الْحِجَالِ | تكرار المنادى | السلبي |
لَقَدْ مَلَأْتُمْ قَلْبِي قَيْحًا | ---------------- | السلبي |
شَحَنْتُمْ صَدْرِي غَيْظًا | العطف | السلبي |
جَرَّعْتُمُونِي نُغَبَ التَّهْمَامِ أَنْفَاسًا | العطف | السلبي |
أَفْسَدْتُمْ عَلَيَّ رَأْيِي بِالْعِصْيَانِ وَالْخِذْلَانِ | العطف | السلبي |
2-2-3 الجهة (Modality)
أحيانًا يطبّق المتكلّم نظرته واتجاهه بحسب نوع الجمهور وكذلك الأجواء العامّة السائدة على الوضع الموجود. ولا شكّ في أنّ طريقة التعامل مع الكوفيّين ذوي النفوس الدنيئة، والطالبين للدنيا، والكسالى، والمثبّطي العزيمة، لا يمكن أن تكون حلًّا بسيطة وبدائيّة، ولذلك، لجأ الإمامعليه السلام وفي سياق زيادة تأثير كلامه، إلى وسائل متنوّعة لكي يخلق الجاذبيّة لجمهوره على أحسن وجه.
الجهة هي من المواضيع النحويّة الدلاليّة والتي تشير إلى رأي المتكلّم ورؤيته في الجملة بالنسبة إلى موضوع كلامه. تمتاز الجهة في هيكليّة الفقرات بأنّها تفصح عن «الاتّجاهات الخاصّة للكاتب نحو ما يقوله» (نقلًا عن فتوحي رودمعجني، 2012: 287 – Simpson, 1993: 39). في بعض الحالات، لا تُجدي استراتيجيّة المرونة، والمصالحة، والتساهل، بالنظر إلى سمات الشخصيّة والخصائص السلوكيّة للذين يخاطبهم المتكلّم، بل يتطلّب منه أن يغيّر لهجة كلامه بمقتضى الظروف (الشهري، 2004: 346). في هذه الاستراتيجيّة، يلعب الحزم والصراحة لدى المتكلّم دورًا مهمًّا، ولذلك، فإنّ الأمر والنهي، والتعجّب، والجمل الدعائيّة والقسم، والتوكيد، والتوبيخ، والتهديد، وأمورًا كهذه، لها وجود فاعل وكثير التكرار. في هذه الفقرة، تناول الإمامعليه السلام تبيان الخصائص المبرّزة والسامية للجهاد، وذلك من خلال استخدامه للجمل الإخباريّة «هُوَ لِبَاسُ التَّقْوَى»، و«دِرْعُ الله الْحَصِينَة»، و«جُنَّتُهُ الْوَثِيقَة»، مستعينًا باستراتيجيّة التبرير المتمثّلة بتقديم النصح والعظة بشأن التواجد في ساحة الجهاد. يضاعف الإمامعليه السلام درجة الحتميّة والدوام للأمور التي يقصدها من خلال استخدامه للجمل الاسميّة. بالإضافة إلى أنّ الإمامعليه السلام يتناول وصف الجهاد في هذه الجمل الإخباريّة، يسعى وراء أهداف أخرى منها: تحريض الجمهور على الجهاد، وخلق أجواء هادئة ومضمونة، وتوظيف لغة ليّنة وشبيهة بالمداراة، و...، وهي تُعتبر من الأهداف الثانويّة والهامشيّة لديه. وبعد ذلك، يغيّر لهجته في الكلام من إيجابيّة إلى سلبيّة، عبر إيراده للجمل الإخباريّة «أَلْبَسَهُ اللهُ ثَوْبَ الذُّلِّ»، و«شَمِلَهُ الْبَلَاءُ»، و«ضُرِبَ عَلَى قَلْبِهِ بِالْإِسْهَابِ»، ويوجّه ذمّه ضمنيًّا إلى الذين لا يلقون بالًا لأوامر الإمامعليه السلام، ويتنصلّون من مسؤوليّتهم عن المشاركة في الجهاد، ويخطرهم بالإنذار الأوّل. يتمثّل الهدف وراء هذه الجمل الإخباريّة بالتوبيخ والإنذار، وأمّا الجهة النحويّة فيها، فهي عاطفيّة، حيث يستخدم الإمام هذا الأسلوب في الكلام بالنظر إلى معرفته المسبقة بالكوفيّين وعلاقته الوثيقة معهم. في العبارة «لَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ وَالْأُخْرَى الْمُعَاهِدَةِ» ذكّر الإمام مرّة أخرى، ومن أجل تأجيج المشاعر وإثارة الشعور بالغيرة والمروءة لدى أهل الكوفة، بالتهجّم الوحشي لجنود العدوّ على النساء المسلمات وغير المسلمات اللواتي التجأن بالإسلام. في بعض الأحيان، من شأن طرح الأمور العاطفيّة أن يكون مفيدًا ومؤثّرًا بغية تحريض الفئة المتفرّجة والعديمة الاكتراث والتي لا يمكن لمجرّد الحقّ والباطل أن يكونا العامل وراء مواقفها الإيمانيّة (انظر: عميد زنجاني، 1987: 33). في هذه العبارة أيضًا، استفاد الإمامعليه السلام من الجهة العاطفيّة، أملًا في غلي الدم في عروقهم من أجل ترغيبهم في المشاركة في الجهاد والذود عن حقوق الرجال والنساء العزّل؛ إلّا أنّه لا يختلج شيء في صدور الكوفيّين القساة القلوب والطائشين. وفي الفقرة الأخيرة، إذ يذكر الإمام الجمل الندائيّة والإنشائيّة «يَا أَشْبَاهَ الرِّجَالِ وَلَا رِجَالَ حُلُومُ الْأَطْفَالِ وَعُقُولُ رَبَّاتِ الْحِجَالِ»، فتبلغ حدّة هجوه وتوبيخه للكوفيّين أقصى درجاتها، وفي هذه الجمل، يغيّر الإمامعليه السلام أسلوب كلامه من الإخباري إلى الإنشائي لكي يلفت انتباه جمهوره أكثر فأكثر؛ لأنّه في أسلوب النداء، «حينما يستعمل المتكلّم حرف النداء عوضًا عن الفعل «أنادي» يستقطب انتباه جمهوره أكثر؛ وفي بعض الحالات، يُعتبر المنادى القريب بمثابة المنادى البعيد، ويتمّ مناداته بحرف النداء للبعيد (يا) بغية إفهامه بمدى ضعته ومذلّته» (الهاشمي، 1999: 116-115). بعدما نادى الإمامعليه السلام أهل الكوفة بعبارات مهينة ومخزية، وبادر إلى تأجيج مشاعرهم وتهييجها بهذا الأسلوب الكلامي (الجهة العاطفيّة) بغية تنويههم بضرورة امتثالهم وطاعتهم له، استفاد من «الجهة المعرفيّة» من خلال حرف التوكيد «لقد» في جملته «لَقَدْ مَلَأْتُمْ قَلْبِي قَيْحًا» لكي يصوّر مدى حتميّة كلامه وذنبهم في تجرّع الإمامعليه السلام للمرارات وفي تشوّش خاطره.
الجدول رقم 3: تكرار الجهة (Modality) في خطبة الجهاد
العبارة | نوع الجهة | الهدف والتبعة |
هُوَ لِبَاسُ التَّقْوَى ودِرْعُ اللهِ الْحَصِينَةُ وجُنَّتُهُ الْوَثِيقَةُ | الجهة الإخباريّة | التأكُّد والتتابع، تحريض الجمهور على الجهاد |
أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ الذُّلِّ، شَمِلَهُ الْبَلَاءُ، ضُرِبَ عَلَى قَلْبِهِ بِالْإِسْهَابِ | الجهة الإخباريّة العاطفيّة | التوبيخ، والإنذار، والذمّ |
يَا أَشْبَاهَ الرِّجَالِ وَلَارِجَالَ حُلُومُ الْأَطْفَالِ وَعُقُولُ رَبَّاتِ الْحِجَالِ | الجهة العاطفيّة | لفت انتباه الجمهور، والهجو، والتوبيخ |
لَقَدْ مَلَأْتُمْ قَلْبِي قَيْحًا | الجهة المعرفيّة | تأكُّد الكلام |
كَانَ يدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ وَالْأُخْرَى الْمُعَاهِدَةِ | الجهة العاطفيّة | إثارة المشاعر |
تشير الدراسات التي أجريناها إلى أنّه بالنظر إلى الأجواء السائدة على هذه الخطبة، كان الإمامعليه السلام مضطرًّا لاستخدام مختلف أنواع الجهات النحويّة من أجل تحريض الجمهور وتهييجهم على مقاصده الكلاميّة. وبالرغم من أنّ الجهات النحويّة في خطبة الجهاد استُخدمت في حالات كالقسم، والاستفهام، والتعجّب، والجمل الدعائيّة، وأمور كهذه، إلّا أنّ الجهة في الاستعارات والكنايات الموجودة، تميل أكثر ما تميل إلى الإخباريّة والعاطفيّة؛ ذلك لأنّ الإمامعليه السلام شاهد وقوع الأحداث عن كثب، وحاول عن هذا الطريق أن يجعل الجمهور يشاطرونه الرأي، ويخلق لديهم ثقة أكثر. غالبيّة الجهات الإخباريّة المستخدمة تنتج عن أنّ الإمام كان بصدد توعية الذين كانوا غير مطّلعين أو متغافلين عن موضوع الجهاد. كما أنّ الجهات العاطفيّة المستخدمة التي يصاحبها توجّه سلبي وتحذيري، تدلّ على عدم الاهتمام، وعدم الطاعة، وفقدان الشعور بالمسؤوليّة لدى الجمهور، حيث حاول الإمامعليه السلام ومن خلال استخدامه للجمل العاطفيّة والمحرّضة أن يقوم بتغيير اتجاههم ومضاعفة رغبتهم في الإصغاء والاهتمام.
2-2-4 طول الجمل
من منطلق دراسة طول الجمل وقصرها، تظهر بنية الفكر والأسلوب والظروف النفسيّة للمتكلّم؛ لأنّ هناك علاقة طرديّة بين طول الجملة ومدى تأمّل المتكلم وتروّيه ضمن وحدة فكريّة واحدة. إنّ وفرة الجمل القصيرة والمتقطّعة في الكلام تؤدّي إلى تسارع الأسلوب، وسرعة الفكر، وإثارة الانفعال، وعلى العكس من ذلك، فإنّ وفرة الجمل الطويلة توفّر أسلوبًا هادئًا، وأمّا الجمل المركّبة المتداخلة والمعقّدة، فتجعل حركة الأسلوب بطيئة (انظر: فتوحي، 2012: 27). من أصل الـ 15 استعارةً وكنايةً المستخدمة في خطبة الجهاد، لم تُستخدم الجمل الطويلة نسبيًّا إلّا مرّة واحدة فقط، حيث يقول الإمامعليه السلام: «لَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ وَالْأُخْرَى الْمُعَاهِدَةِ». أمّا في غيرها من الحالات، فإنّ الجمل المستخدمة قصيرة ومتقطّعة. بما أنّ الجمل القصيرة تترك تأثيرًا أعمق في إثارة الانفعال وإيقاظ المشاعر النائمة، فقد استفاد الإمامعليه السلام من هذه الطريقة في بلوغ مقصوده. في الجمل القصيرة والمتقطّعة «هُوَ لِبَاسُ التَّقْوَى»، و«دِرْعُ اللهِ الْحَصِينَة»، و«جُنَّتُهُ الْوَثِيقَة»، فإنّ الإمام ومن خلال تكراره السريع لخصائص الجهاد المبرّزة، استفاد من أقصر المدد الزمنيّة أمثل استفادة، وقدّم أرقى مميّزات الجهاد التي من شأن الفرد أن يُحرَّض بواسطتها. وفيما يُتبع من الخطبة ومن خلال ذكره للجمل القصيرة «أَلْبَسَهُ اللهُ ثَوْبَ الذُّلِّ»، و«شَمِلَهُ الْبَلَاءُ»، و«ضُرِبَ عَلَى قَلْبِهِ بِالْإِسْهَابِ» عدّد أشدّ التداعيات السلبيّة المترتّبة على ترك الجهاد بتسارع وتهديد ضمنيّين، محاولًا بذلك أن يعمل على تأجيج المشاعر النائمة والأحاسيس الهامدة فيهم. في الفقرة الثانية من الخطبة، والتي ذكر فيها الإمام عليعليه السلام أحداث مدينة الأنبار، استخدم فيها جملًا أطول نسبيًّا، وفي بعض الحالات مثل «أَمْهِلْنَا يُسَبِّخْ عَنَّا الْحَرُّ» و«أَمْهِلْنَا يَنْسَلِخْ عَنَّا الْبَرْدُ» استفاد من عبارات قصيرة. إنّ الإمامعليه السلام وبعدما نفى خصلتي المروءة والغيرة عن الكوفيّين، وشبّههم بالأطفال وربّات الحجال، عبّر في الفقرة الأخيرة، عن ذروة حزنه وتضايقه ضمن جمل متقطّعة وحزينة. على حدّ قول آية الله مكارم الشيرازي، استخدم الإمامعليه السلام هذه الجمل باعتبارها علاجًا أخيرًا لهؤلاء المرضى العديمي البصيرة الذين لم تكن تغلي دماؤهم غيرةً أبدًا، ويتقبّلون مختلف أنواع الإهانات والتصرّفات المفروضة عليهم من الأعداء (انظر: مكارم الشيرازي، 2007: 2/162). شبّه الإمامعليه السلام همومه وأحزانه بأكثر مراحل الجرح إيلامًا وهي التقيّح وخروج الدم قائلًا: «لَقَدْ مَلَأْتُمْ قَلْبِي قَيْحًا»، ورأى الغيظ مسيطرًا عليه باستخدامه الجملة «شَحَنْتُمْ صَدْرِي غَيْظًا» وكأنّ الغيظ جيش من المقاتلين، وجسّد ذروة الاستياء والتضايق والهياج والثوران في أذهان الجمهور، وصوّر في عبارته الأخيرة «لَقَدْ أَفْسَدْتُمْ عَلَيَّ رَأْيِي بِالْعِصْيَانِ وَالْخِذْلَانِ» نكران الجميل وعدم الوفاء لدى أهل الكوفة. في هذه العبارات القصيرة التي يموج فيها العاطفة والهياج، وظّف الإمامعليه السلام مشاعره بنيّة تحريض الجمهور وإيقاظهم، وبذلك أكثَر من حيويّة كلامه وثورانه.
2-3 مراجعة عامّة لمعنى المعنى
كلّ واحدة من الاستعارات والكنايات المستخدمة في هذه الخطبة، بالإضافة إلى معانيها الأوائل، تتضمّن معاني ثواني وهامشيّة يمكن الاهتداء إليها عن طريق المصاديق والقرائن الموجودة. إنّ المصطلح «هُوَ لِبَاسُ التَّقْوَى» استعارة تصريحيّة، والمبدأ الإدراكي في هذا النوع من الاستعارة هو «رؤيةُ ظاهرةٍ بدلًا من ظاهرة أخرى بحسب الشبه» (فتوحي، 2012: 318). هنا استخدم الإمامعليه السلام المستعار منه (اللباس) عوضًا عن المستعار له (الجهاد) لكي يبرز جميع الخصائص الملموسة والقابلة للإدراك في اللباس، ومنها التغطية، والردع، والحماية أمام أعين الجمهور، وبهذا الاتّحاد والمشابهة، قرّب المفهوم المطلوب إلى ذهن السامع. على الصعيد اللغوي، يُراد باللباس، اللباس الظاهر الذي يُرتدى، وأمّا على الصعيد البلاغي، فإنّ تشبيه الجهاد باللباس يدلّ على مفاهيم مثل الجمال والحُسْن، وتوفير الحصانة والردع، والإنقاذ من الانحرافات والمشكلات، و... إنّ المصطلحين «دِرْعُ اللهِ الْحَصِينَة» و«جُنَّتُهُ الْوَثِيقَة» استعارتان مرشّحتان. وفي الاستعارة المرشّحة يتضاعف مدى المشابهة بين المشبّه والمشبّه به أكثر بكثير، مقارنة مع المصرّحة، لدرجة ادُّعي معها أنّ هذين أمر واحد. إنّ المعنى الأوّل الذي يُفهم من هذه العبارات، تشبيه الجهاد بالدرع الحصينة والجُنّة الوثيقة، وهذا المعنى يقع ضمن الصعيد اللغوي، إلّا أنّ الصعيد البلاغي الذي يدلّ على معنى المعنى، يشير إلى مدى الردع والحماية اللذين يزودّ الجهاد الإنسان بهما، حيث أنّه يحمي الإنسان، وكأنّه درع فولاذيّة وجُنّة متينة، من الهجمات والحملات. لعلّ السبب وراء استعمال الاستعارة المرشّحة في هذه العبارات يعود إلى تأكُّد الإمامعليه السلام وثقته بفاعليّة الجهاد وقوّته الرادعة، حيث ينقذ الجهاد الإنسان، لكونه درعًا متينة وجُنّة آمنة. الدائرة المفاهيميّة التي يمكن استنباطها من هذه العبارات، تتمحور حول نجاعة الجهاد وجدواه بوصفه نسخة للخلاص من المشكلات والمعضلات، وقد أوصى الإمامعليه السلام الجمهور بها. في العبارة «أَلْبَسَهُ اللهُ ثَوْبَ الذُّلِّ»، يرى الإمامعليه السلام أنّ العذاب الإلهي ينطبق على الذين يتفادون سوح الجهاد، وإنّ ما يقصد الإمام باستخدام هذه الجملة، تهديد تاركي الجهاد وإنذارهم، بجميع المفاهيم التي تتبادر إلى الذهن. إنّ معنى المعنى الذي يُستخلص من الجملة «شَمِلَهُ الْبَلَاءُ» هو مدى المشقّة والمحنة التي تحلّ بالإنسان وكأنّها جحفل جرّار، وتصهره في بوتقتها. وفي الحقيقة، فإنّ الإمامعليه السلام وعبر استخدامه لهذه العبارة، يعتبر أنّ المصيبة والمحنة الناتجة عن ترك سوح الجهاد تفوق ما يخطر ببال أحد. من التداعيات الأخرى لترك الجهاد، شمول الحيرة والسفه الذي يكسر شوكة الفرد، ويُفقِده قوّته العاقلة، ولذلك، تناول الإمامعليه السلام في عبارته «ضُرِبَ عَلَى قَلْبِهِ بِالْإِسْهَابِ» الآثار السلبيّة المترتّبة على ترك الجهاد. إنّ المقصود الثانوي للإمام باستخدامه للعبارة «يَدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ وَالْأُخْرَى الْمُعَاهِدَةِ» هو اعتبار الإسلام كملجأ ومكان آمن لأبناء السبيل والمضطرّين. عبّر الإمامعليه السلام من خلال التعبيرين «يُسَبِّخْ عَنَّا الْحَرُّ» و«يَنْسَلِخْ عَنَّا الْبَرْدُ» عن تعذّر تحقّق طلب الكوفيّين واستحالته، وصوّر بوضوحٍ أعذارهم وحججهم للتهرّب من سوح الجهاد. في الفقرة اللاحقة، بيّن الإمامعليه السلام المفاهيم الثانويّة ومراده الأصلي بلغة الكناية، ومن خلال استخدامه للعبارات «يَا أَشْبَاهَ الرِّجَالِ وَلَا رِجَالَ حُلُومُ الْأَطْفَالِ وَعُقُولُ رَبَّاتِ الْحِجَالِ» أشار إلى خصال أهل الكوفة والمتمثّلة بالجبن، والرعونة، والطيش، وفقدان الخبرة. إنّ معنى المعنى الذي يُستخلص من الجملتين الكنائيّتين «لَقَدْ مَلَأْتُمْ قَلْبِي قَيْحًا» و«شَحَنْتُمْ صَدْرِي غَيْظًا» هو ذروة تألّم الإمامعليه السلام واستيائه، حيث استفاد من أشدّ ما يصيب الجرح، أي «الْقَيْح»، وأكثر ما يحلّ بالصدر، أي «الغَيْظ». وفي الختام، عبّر عن همومه التي لا تنتهي، بذكره العبارة «جَرَّعْتُمُونِي نُغَبَ التَّهْمَامِ أَنْفَاسًا»، وبذلك، رسم مدى الأذى والإساءة من قِبَل الكوفيّين، واللذَيْن لا نهاية لهما. في الجملة الاستعاريّة «أَفْسَدْتُمْ عَلَيَّ رَأْيِي بِالْعِصْيَانِ وَالْخِذْلَانِ» أطلق الإمامعليه السلام لسانه بالشكوى من أنّ الكوفيّين تجاهلوا جميع مساعيه وتدابيره، واعتبروا آراءه عديمة الأثر.
الجدول رقم 4: الروابط الاستعاريّة وما يقابلها في خطبة الجهاد
العبارة الاستعاريّة | الرابطة | الصعيد اللغوي | الصعيد البلاغي (التجريدي) | المقابلات ومعنى المعنى |
هُوَ لِبَاسُ التَّقْوَى | الجهاد لباس. | اللُّبس (الارتداء) | الحُسْن والجمال | توفير الأمان والحصانة |
دِرْعُ اللَّهِ الْحَصِينَةُ | الجهاة سترة واقية. | الآلة الحربيّة | الوقاية والحماية | حفظ النفس، الحصن أو القلعة المنيعة |
جُنَّتُهُ الْوَثِيقَةُ | الجهاد درع. | الآلة الحربيّة | التغطية والحماية | حفظ النفس، توفير المتانة والمقاومة إزاء الهجمات |
أَلْبَسَهُ اللهُ ثَوْبَ الذُّلِّ | الذلُّ ثوب. | اللُّبس والارتداء | العار والذلّ | شمول الذلّ والهوان العقاب أو العذاب الإلهي |
شَمِلَهُ الْبَلَاءُ | البلاء حيوان مفترس. | النزول والشمول | العذاب والنوائب | الشمول، عموم البلاء والنوائب |
ضُرِبَ عَلَى قَلْبِهِ بِالْإِسْهَابِ | الحيرة مكان. | النزول والانبعاث | الاضطراب والتشتّت | الحيرة والسفَه العجز والمرض |
كَانَ يدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ وَالْأُخْرَى الْمُعَاهِدَةِ | الإسلام ملجأ. | الحماية والاعتماد | اللجوء | الاحتماء بأحد المواظبة على الحفظ |
أَمْهِلْنَا يُسَبِّخْ عَنَّا الْحَرُّ | الحَرّ حيوان مفترس. | البُعد الحيواني | السكون والهدوء | الخلود إلى النوم، اختلاق الأعذار |
أَمْهِلْنَا يَنْسَلِخْ عَنَّا الْبَرْدُ | البرد حيوان مفترس. | البُعد الحيواني | السكون والهدوء | الخلود إلى النوم، اختلاق الأعذار |
جَرَّعْتُمُونِي نُغَبَ التَّهْمَامِ أَنْفَاسًا | الهموم والأحزان هي من المشروبات. | السقاية، الإطعام | الهياج وعدم القرار | إعطاء الهموم جرعةً جرعةً إلحاق الأذى والإساءة بصفة مستمرّة |
أَفْسَدْتُمْ عَلَيَّ رَأْيِي بِالْعِصْيَانِ وَالْخِذْلَانِ | الرأي مادّة من الموادّ. | كونه مادّة أو شيئًا | الضياع | انعدام التأثير البطلان |
3- النتيجة
من القضايا المهمّة التي تمتاز بأهمّيّة كبيرة في نظريّة النظم للجرجاني، التساوق والتماسك والوحدة الموضوعيّة التي نلحظها بوضوح في خطبة الجهاد. إنّ أمير المؤمنينعليه السلام ومن خلال استعانته بالاستعارة والكناية، عمد إلى توظيف الانزياح بما يتناسب والسياق والموقف والظروف السائدة، وخلق معاني متلائمة مع الخطاب يدركها متلقّي الرسالة جيّدًا. تشير النتائج المتحصّلة من هذا العمل البحثي إلى أنّ: 1. الإمامعليه السلام استخدم في أغلب الأحيان عبارات استعاريّة في الحالات التي كان ينوي فيها تحريض الجمهور وتشجيعهم. 2. بغية تثمين الجهاد والتنويه بضرورة التواجد الشامل في معترك الكفاح، استخدم الإمامعليه السلام مفردات وعبارات للتوكيد، مثل: «ألا، إنَّ، أنَّ، لقد، فو الله، فيا عجبًا، و...». 3. في المواضع التي كان الإمامعليه السلام يريد فيها التأثير في عقول الجمهور وأفكارهم، قام بتوظيف الأسلوب الرسمي والعبارات العلميّة. 4. حينما واجه الإمامعليه السلام تغافل الجمهور وعدم اكتراثهم، عمد إلى استعمال كنايات واستعارات متتابعة في إطار الفكاهة والهجو في محاولة منه لإثارة مشاعر الجمهور وأحاسيسهم. 5. في العبارات الاستعاريّة والكنائيّة المستخدمة في خطبة الجهاد، نلحظ جليًّا نسبة الجمل الفعليّة التي تفوق نسبة الاسميّة منها، ما يدلّ على حركيّة الإمام وديناميكيّته في نقل المفاهيم المطلوبة لديه. 6. أعرب أمير المؤمنينعليه السلام عن أقسى شكاواه وتألّماته ضمن جمل يُكنى بها عن صفات. 7. استفاد مولانا عليعليه السلام وفي سياق نقل المفاهيم والمضامين التي يتطلّع إليها، على أحسن وجه، من عناصر باعثة على التماسك وخالقة للنظام، مثل: التكرار النحوي، والجهة (Modality)، والجمل القصيرة. 8. أفاد أمير المؤمنينعليه السلام وبفضل ذوقه الرفيع وذهنه الجمالي، من «التكرار النحوي» سعيًا منه وراء توكيد الكلام وتثبيته وإيجاد الالتذاذ وإبراز حديثه. 9. الجهة (Modality) المستخدمة في الجمل الاستعاريّة والكنائيّة لخطبة الجهاد، غالبًا ما تكون من النوع الإخباري والعاطفي، ذلك لأنّ أمير المؤمنينعليه السلام كان يتعامل مع الذين يُعرفون بعدم الشعور بالمسؤوليّة والعصيان وعدم الانقياد لأوامره وتدابيره، ولهذا، لم يكن له بدّ من إغرائهم وتحريضهم بكلّ ما أتيح له من الوسائل. 10. إحدى الآليّات التي انبرى لها الإمامعليه السلام لتأجيج وإذكاء المشاعر الخامدة لأهل الكوفة، استخدام الجمل القصيرة والمليئة بالمعاني، والتي لها نسبة تكرار عالية. 11. إنّ معنى المعنى الذي يُستنبط من العبارات الاستعاريّة والكنائيّة، يمكن إدراكه من منطلق دراسة السياق والعناصر الباعثة على التماسك والخالقة للنظام في الجمل. 12. في جميع العبارات الاستعاريّة والكنائيّة، يمكن فهم المعنى الظاهري وإدراكه، إلّا أنّ المعنى المقصود (معنى المعنى) لا يمكن استنباطه إلّا من خلال المعنى الأوّل ومن منطلق دراسة سياق الجملة وكذلك القوّة العاقلة والتحليل والاستدلال. 13. الاستخدام الصحيح للمفردات حسب ما يقتضيه الحال والمقام ومع ملاحظة نظام العبارات وسياقها، هو من النقاط اللافتة للنظر في هذه الخطبة؛ ويظهر هذا التناسب جليًّا في مفردات مثل: «الحَصِينَة»، و«الدِّرْع»، و«الْوَثِيقَة»، و«الْجُنَّة»، و«الْقَلْب»، و«الْقَيْح»، و«الصَّدْر»، و«الْغَيْظ». 14. يستخدم الإمام علي (ع) في غالب الاستعارات والکنایات من أجل نقل المفاهيم والمعاني بشكل أفضل وأكثر تعبيرًا ، باستخدام مهارات الاتصال القوية مثل التجسّم والتصوير ، ومن خلال التفسيرات الحية والعاطفية ، تكشف المعاني المقصودة.
قائمة المصادر
الكتب
- القرآن الكريم.
- نهج البلاغة (2007م.)، ترجمة محمد دشتي، طهران: دار آدينۀ سبز للنشر.
- ابن منظور الأنصاري الرويفعي الإفريقي، محمد بن مكرم بن علي، أبو الفضل (1414هـ.)، لسان العرب، بيروت: دار صادر للنشر.
- أحمد بدوي، أحمد (2005م.)، من بلاغة القرآن، الناشر: دار نهضة مصر للنشر.
- البحراني، علي بن ميثم (بدون تاريخ)، شرح نهج البلاغة، مؤسسة پژوهشهای اسلامی، المركز الرقمي: مركز قائمية أصفهان للأبحاث الحاسوبية.
- الجرجاني، عبد القاهر (2014م.)، دلائل الإعجاز (شرَحه وعلَّق عليه ووضَع فهارسه: الدكتور محمد التنجي)، بيروت، لبنان: دار الكتاب العربي.
- الجرجاني، عبد القاهر (2004م.)، دلائل الإعجاز في القرآن (ترجمة وتلخيص الدكتور سيد محمد رادمنش)، طهران: دار شاهنامهپژوهی للنشر.
- الجهني، زيد بن محمد بن غانم (1425هـ.)، الصورة الفنية في المفضّليات، الجزء الأول، المدينة المنورة: المملكة العربية السعودية، وزارة التعليم العالي، الجامعة الإسلامية.
- الشهري، عبد الهادي بن ظافر (2004م.)، إستراتيجيات الخطاب (مقاربة لغوية تداولية)، بيروت، لبنان: دار الكتاب الجديد المتحدة.
- شهيدي، جعفر؛ الشريف الرضي، محمد بن حسين؛ علي بن أبي طالب (1999م.)، نهج البلاغة (ترجمة شهيدي)، طهران: شركة انتشارات علمی و فرهنگی للنشر.
- عميد زنجاني، عباسعلي (1987م.)، جهاد از ديدگاه امام علیعلیه السلام در نهج البلاغه [الجهاد في رؤية الإمام عليعليه السلام في نهج البلاغة]، طهران: وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي.
- فتوحي رود معجني، محمود (2012م.)، سبکشناسی: نظريهها، رويكردها و روشها [الأسلوبية: النظريات، والتوجهات، والمناهج]، طهران: دار سُخَن للنشر.
- الفراهيدي، الخليل بن أحمد (۲۰۰۳م.)، العين، ترتيب وتحقيق الدكتور عبد الحميد هنداوي، بيروت: دارالكتب العلمية.
- مصطفوي، حسن (1989م.)، التحقيق في كلمات القرآن، طهران: وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي.
- مصلوح، سعد (1992م.)، الأسلوب (دراسة لغوية إحصائية)، ط3، مصر: عالم الكتب.
- مكارم الشيرازي، ناصر (2007م.)، پيام اميرالمؤمنينعليه السلام [رسالة أمير المؤمنينعليه السلام]، الجزء الثاني، طهران: دار الكتب الإسلامية.
- نقوي قائني، محمد تقي (1440هـ.)، مفتاح السعادة (شرح نهج البلاغة)، طهران: مكتبة المصطفوي.
- وحيديان كاميار، تقي (2000م.)، بديع از ديدگاه زيبايیشناسی [البديع في المنظور الجمالي]، طهران: دار دوسْتان للنشر.
- وليد، محمد مراد (1983م.)، نظرية النظم و قيمتها العلمية في الدراسات اللغوية عند عبد القاهر الجرجاني، دمشق: دار الفكر.
- الهاشمي، السيد أحمد (1999م.)، جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع، بيروت: مؤسسة المعارف للطباعة والنشر.
- يونس علي، محمد محمد (۲۰۰۷م.)، المعنى وظلال المعنى، بيروت: دار المدار الإسلامي.
المقالات
-آشوري، حسين؛ شريف عسكري، محمد صالح؛ أشكوري، سيد عدنان؛ بيراني شال، علي (2016م.)، «كشف معانی در متن از نظريۀ معنى المعنى تا عدم قطعيت معنا» [«كشف المعاني في النص بين نظرية معنى المعنى وعدم تأكُّد المعنى»]، مجلة زبان و ادبیات عربی، العدد 15، ص ص.50-31.
- بشارتي، فاطمة؛ عبد اللّهي، حسن؛ سيدي، سيد حسين؛ آباد، مرضية (2018م.)، «بررسی سبکشناسی تطبيقی خطبۀ 27 و نامۀ 28 نهجالبلاغه» (مطالعۀ موردیِ لايۀ واژگانی) [الدراسة الأسلوبية المقارنة للخطبة رقم 27 والرسالة رقم 28 من نهج البلاغة (الطبقة المعجمية أنموذجًا)]، مجلة علوي البحثية، معهد العلوم الإنسانية والدراسات الثقافية، مجلة نصف سنوية علمية محكّمة، السنة التاسعة، العدد 2، ص ص.75-53.
- بَراندَوَجي، نعيمة؛ محتشم، معصومة (2018م.)، «استعارههای شناختی و تأثير آن در ترجمۀ نهجالبلاغه» (مطالعۀ موردیِ خطبۀ جهاد در ترجمههای شهيدی و فيضالاسلام) [الاستعارات المعرفية وتأثيرها في ترجمة نهج البلاغة (دراسة خطبة الجهاد في ترجمتَي شهيدي وفيض الإسلام أنموذجًا)]، مجلة پژوهشهای ترجمه در زبان و ادبیات عربی نصف السنوية العلمية المحكّمة، السنة الثامنة، العدد 18، ربيع وصيف 2018، ص ص.38-9.
- جمعي، لمين (2019م.)، «المعنى ومعنى المعنى في ضوء الانزياح الأسلوبي عند عبد القاهر الجرجاني من خلال كتابه دلائل الإعجاز»، كلية الآداب واللغات، جامعة محمد خيضر بسكرة، جانفي 2019، العدد 24، ص ص.177-163.
- حمادي العبيدي، عادل هادي (۲۰۱۲م.)، «قضية اللفظ والمعنى»، كلية الآداب، جامعة الأنبار، سنة ٢٠١٢ ميلادية، العدد ٢٠١، ص ص.210-201.
- دفع الله، وفاء أبو الحسن؛ محمد داؤد، محمد (2014م.)، «الانزياح الدلالي» (دراسة تطبيقية من خلال نظرية النظم)، مجلة العلوم الإنسانية، كلية اللغات، جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا، العدد 15، ص ص.215-203.
- عبد الحسيني، حسين (2013م.)، «ساختار توليد و درک استعاره از ديدگاه عبدالقاهر جرجانی» [«بنية إنتاج الاستعارة وإدراكها في رؤية عبد القاهر الجرجاني»]، مجلة صحیفۀ مبین نصف السنوية العلمية المحكّمة، العدد 54، ص ص.102-73.
- غفوري فر، محمد؛ بشارتي، فاطمة (2021م.)، «تحليل لايههای سبکشناسیِ خطبۀ جهاد در بازيابیِ بنمايههای ادبيات مقاومت» [«تحليل الطبقات الأسلوبية لخطبة الجهاد في استرجاع مكوّنات أدب المقاومة»]، مجلة مطالعات بیداری اسلامی الفصلية العلمية، السنة العاشرة، العدد 3 (العدد التسلسلي 21)، ص ص.30-7.
- نور محمدي، مهتاب؛ آقا كل زادة، فردوس؛ كلفام، أرسلان (2012م.)، «تحليل مفهومی استعارههای نهجالبلاغه» [«التحليل المفاهيمي لاستعارات نهج البلاغة»]، مجلة الرابطة الإيرانية للّغة العربية وآدابها، علمية محكّمة، العدد 22، ص ص.192-155.
الأطاريح
- بشارتي، فاطمة (2018م.)، بررسی سبکشناسی تطبيقی خطبهها و نامههای نهجالبلاغه [الدراسة الأسلوبية المقارنة لخطب نهج البلاغة ورسائله] (أطروحة الدكتوراه التخصصية)، الأستاذ المشرف: حسن عبد اللّهي، جامعة فردوسي، كلية الآداب والعلوم الإنسانية.
- كاظمي، فاطمة (2016م.)، نظرية المعنى عند عبد القاهر الجرجاني من خلال شرح، تعليق وترجمة دلائل الإعجاز (أطروحة الدكتوراه التخصصية)، الأستاذ المشرف: محمد هادي مرادي، جامعة العلامة الطباطبائي، كلية اللغات الأجنبية.
[1] - هذه المقالة مستخرجة من أطروحة دكتوراه.