A comparative study of the figurative paradox between Bushra al-Bustani and Abu al-Qasim
Subject Areas : Contemporary Literature StudiesZAHRA SAIDI 1 , Mohammad reza Beigi 2
1 - farhangian University
2 - Faculty member of the Department of Arabic Language and Literature, Payame Noor University
Keywords: Bushra Al-Bustani, Abu al-Qasim Halat, pictorial paradox, contradiction, poetry,
Abstract :
Pictorial paradox is an art that the contemporary poet uses to highlight the contradiction between two opposite sides. There is a kind of contradiction between them. Figurative irony is one of the poetic elements in Arabic and Persian literature. which Abu al-Qasim Halat and Bushra al-Bustani employed as an artistic element to highlight their thoughts and emotions, and through them they described popular society, political repression, and colonialism; This poetic mechanism leads to popular awakening and urges to confront the colonialists. Bushra Al-Bustani, an Iraqi poet and critic (1949 AD); Abul-Qasim Halat, poet, writer and translator in 1289 A.D. Both are contemporary poets who come up with sarcastic verses between their poems. There is no doubt that the two poets Abu al-Qasim Halat and Bushra al-Bustani were influenced by the literature of paradox, and for this reason we find that there are many common denominators between the two literatures in Iran and Iraq. We see that the paradox led to the emergence of commonalities between the nationalistic tendencies of the two poets, the method of expressing them, and the common contents of their productions; The revolutionary spirit committed to oppression and colonialism, which you see in their poems, is evident. The most important results of this study: the manifestation of patriotism, anti-colonial movements, freedom and justice in their poetry. And the approach that we adopted in this article is descriptive and analytical.
دراسة مقارنة المفارقة التصویریة بین بشری البستانی و ابوالقاسم حالت
زهرا سعيدي1
محمدرضا بیگی2
الملخّص
المفارقة التصويرية هي فنٌّ من الفنون يستخدمه الشاعر المعاصر لإبراز التناقض بين طرفين متقابلين؛ بينهما نوع من التناقض. المفارقة التصویریة تعتبر مقوّماَ من المقوّمات الشعریة في الأدبین العربي والفارسي؛ الّتي وظّفها ابوالقاسم حالت وبشری البستاني ثالث کعنصر فنّي لإبراز أفکارهما و عواطفهما، ووصفا خلالها، المجتمع الشعبي و الکبت السیاسي و الاستعمار؛ هذه الآلیة الشعریة لدیهما تؤدی إلی الصحوة الشعبیة و الحثّ علی مواجهة المستعمرین. الأدب المقارن یقف في مرکز وسط بین الآداب لیرقب حرکة التیّارات العالمیة و تأثیرها علی الأدب القومي و تأثیر هذا الأدب القومي في غیره من الآداب. أدب المقاومة هو أدب انساني و التعبیر عن الذات الجماعیة و الهویّة و تخلّص من الأزمات.بشری البستاني شاعرة و ناقدة عراقیّة (1949م)؛ وابوالقاسم حالت، شاعر وكاتب ومترجم عام (1289ش) کلاهما شاعران معاصران اللذان یأتیان بأشعارٍ تهکّمیةٍ بین قصائدهم.ممّا لاشکّ فیه هو أنَّ الشاعرین ابوالقاسم حالت وبشری البستاني قد تأثّرا بأدب المفارقة، ولهذا نجد أنَّ بین الأدبین في إیران و عراق قواسم مشترکة عدیدة. فنری أنَّ المفارقة أدت إلی ظهور مشترکات بین الترعات القومیة للشاعرین، وأسلوب التعبیر عنها، والمضامین المشترکة في نتاجاتهما؛ فتتجلّی الروح الثوریة الملتزمة تجاه الظلم و الإستعمار الذین تشاهد في أشعارهما، ولاتکاد تفوت مناسبة وطنیّة أو قومیّة دون أن یکون لها نصیب من شعرهما.و أهمّ نتائج هذه الدراسة: تجلّي حبّ الوطن، الحرکات ضدّ الإستعماریة، الحریّة و العدالة في أشعارهما و هذه النتائج تسبّب بإستخدام المفارقة التصویریة في شعر بشری البستاني وابوالقاسم حالت؛ و المنهج الذي اعتمدناه في هذه المقالة الوصفي التحلیلي.
الکلمات الرئیسیّة: الشعر، المفارقة التصویریة، بشری البستاني، التناقض، ابوالقاسم حالت.
1-1. المقدّمة
يقتضي تناول المفارقة في شعر روّاد الشعر الحرّ تحديد مفهوم مصطلح الروّاد. وتحديد الرواد- هنا۔ محکوم برکنین رئيسين هما التأريخية والتعبيرية، أي أننا أخذنا بالحسبان بدايات كل واحد منهم، واستمراريته حتى رسوخ الحركة الشعرية الجديدة، وعمق تأثيره في تثبيت الشعر الحرّ بوصفه شعراً، وفي تأسيس حداثته، وفي مدى إسهامه في نشره وتطويره. و يشير د.سي ميويك3 في کتابه «Irony and the Ironic» إلى مفهوم المفارقة الذي قد تطوّر بشکل بطيء جدّاً في إنجلترا کما تطوّر ذاک المفهوم في بقيّة دول أروبا الحديثة،حيث کانت المفارقة طريقة في معاملة خصم في الجدال، و في نهاية القرن الثامن عشر و بداية القرن التاسع عشر اکتسبت کلمة «المفارقة» عددًا من المعاني القديمة.و يرى أنّ المفارقة تنقسم إلى قسمين رئيسيّين يصعب الفصل بينهما، هما المفارقة اللفظيّة و مفارقة الموقف، و يحاول أن يبرز في المفارقة «تضادّ المخبر و المظهر» حيث نجد أنّ صاحب المفارقه يقول شيئًا لکنّه في الواقع يقول شيئًا آخر مختلف تمامًا، إذ المفارقة مطمئنّة إلى أنّ الأمور هي علی ما تبدو عليه و لا يحسّ أنّها حقيقة مختلفة تمامًا، إذ المفارقة تطلب تضادًّا أو تنافرًا بين الحقيقة و المظهر و أنّها تکون أشدّ وقعًا عند ما يشتدّ التضادّ (أحمد غنيم، 1998: 238). والمفارقة ملمح فني أفاده الرواد من تراثنا العربي على الرغم من قلة نماذجه، وعدم تسميته، بوساطة إفادتهم أيضا من اهتمام الغرب بها ولاسيما في العقدين الثاني والثالث من القرن العشرين. ولا شك في أن تأثر الروّاد ب إليوت4 الذي شاعت في شعره المفارقة، دافع واضح للاهتمام بها. وهي ملمح فني و ميدان خصب يمكن أن تجني منه التمثلات الشعرية والدراسات الأسلوبية والنقدية ثماراً ناضجة وبذوراٌ صالحة للبذار من حيث إنَّ المفارقة وسيلة أسلوبية تنتج الشعر وتثريه. فتفهم الشاعر لبنيتها وأثرها الأسلوبي يمكنه من رؤية ما لم يكن يراه من قبل، ومن التعبير عما يجول في ذهنه و عما يحس به تجاه المرجعية المشتركة تعبيرا فنيا صادما. فالمفارقة مبادرة متفجرة من رؤيا الشاعر، لها وظيفة فنية إثرائية، قادرة على منح الشاعر الذي يقتنصها ويشكلها تشكيلا فنيا، التفرد والتميز، وليس في تفهم الشاعر لها أو لغيرها من وسائط الفن عیب، إذ إنَّه بذلک یضیف إلی مواهب الشعر عنده درایة الدارسین لأصول الفنّ. ((Hornby,2010: 839
ابوالقاسم حالت شاعر کبیر له مساحته علی الساحة الشعریة الإیرانیة فقد ابتکر أسلوباً ممیزاً للقصیدة. وجنباً علیها في الأدب العربي توجد شاعرة بشري البستاني وهي شاعرة وناقدة وصحافية عراقية التي تنشد أبیاتاً غرّا تدافع عن الوطن وحیاضه. هذان الشاعران نظما القصائد المقاومة في دواوینهم الشعریة التي لهما قواسم مشترکة.و قد لانبالغ إذا قلنا إنّ عددًا قلیلاً من الشعراء یستطیع التعبیر عن المفاهیم المقاومة، فالمقاومة بحاجة إلی شاعر واعٍ فطنٍ یستطیع ان یستلهم من مواقف مجدّدة مواقف متباینة، و أن یصل إلی عقل المتلقّي و وجدانه بطریق وعر لایجید سلوکه إلاّ الواعون و لیس اللغة الشعریة حول المفارقة، الغایة بحد ذاتها ولکنها وسیلة لبلوغ هدف نبیل، إنَّ الباحث یقوم بالمقارنة حول مفهوم المفارقة بین ابوالقاسم حالت و بشری البستاني بمنهج الوصفي التحلیلي.
1-2. أسئلة البحث
نواجه في هذا المقال عدّة أسئلة و نرید أن نجیب عنها:
1-2-1. ما هي المفارقة التصویریة و ما هي أنواعها؟
1-2-2.لمَ یوظّف الشاعران بشری البستاني وأبوالقاسم حالت هذا العنصر الفنّي؟
1-3. فرضیات البحث:
1-3-1.المفارقة التصویریّة فنّ یستخدمه الشاعر المعاصر لإبراز التناقض بین طرفین متقابلین بینهما نوع من التناقض و تشمل تعریفات مثل أن یقول المرء عکس ما یعني، والهزوء والسخریّة. وتنقسم المفارقة التصویریّة إلی أقسام مختلفة وهي المفارقة اللاشخصیّة، مفارقة الاستخفاف بالذات، ومفارقة التنافر بالبسیط، المفارقة الدرامیّة، والمفارقة ذات الطرفین المعاصرین، والمفارقة ذات المعطیات التراثیّة.
1-3-2.کان بشری البستاني وأبوالقاسم حالت یستخدمان هذا العنصر الفنيّ في أشعارهما بالأشکال المتعدّدة لابراز هواجس أنفسهما و آمالهما و هی وسیلة ایحائیة لابعاد تجربتهما الشعریة و رویتهما لواقعهما التعایشی. و في هذا السبیل یتمتّعان من الوسائل التعبیریّة الخاصّة وهي المفارقة التصویریّة الّتي تدور لوصول البستاني وحالت إلي غایاتهما دورًا هامًّا.
1-4. خلفیّة البحث
إنّ البحث عن المقاومة بین الشعراء و المقارنة بینهما کثیراً لایعدّ و لایحصی ولکن هاتان الشاعران لم یبحث حتّی –فیما نعلم- ونحن نشیر إلی البحوث التي تعالج بجزء من أشعار ابوالقاسم حالت و البستاني:مقالة یتمحور بــ«مظاهر أدب المقاومة فی شعر بشری البستانی» الکاتب: اصلانی، سردار؛ کهوری،محسن غلامحسین؛ في مجلة لسان مبین، الربیع 1395 - العدد 23 ، صص 1 – 22. انتشر بحثاً آخر «یاد یاران» الکاتب حسن ذوالفقاري، مجلة رشد آموزش زبان و ادب فارسی، شتاء 1382ش، العدد 68، صص 16-21. مع هذا حتّی الآن لم یبحث عن هذا الموضوع في إیران و البلدان العربیة.
2-الإطار النظري:
1-2. مفهوم المفارقة
إن الأثر الكبير الذي أسهم به مصطلح "المفارقة في النقد الشعري الحديث"، يحتم علينا أن نحدد ماهية هذا المصطلح وحدوده، قبل أن نكشف عن قيمته البنائية والوظيفية؛ فإثبات المصطلح و التغلغل فيه ملمح منهجي، على الرغم من أن هذا المفهوم الرئيس في النقد الأدبي ما يزال في حال تطور (میویک،1987: 25) وبغية توضيح مصطلح المفارقة المنقول، عبر الترجمة، إلى اللغة العربية، ليس من زاوية تاريخية، إنما من زاوية فنية، ارتأينا أن نستعرض هذا المصطلح مقترنا بالمقابل الأجنبي، في أول الأمر، ثم ننتقل إلى من استعمله دون أن يقرنه بمقابله. ولما لم يكن للمفارقة مقابل واحد بل مقابلان، على الأشيع، عملنا على معالجة الأمر بطريقة معكوسة، أي نتابع ترجمة المقابلين، عند عدد من النقاد و المترجمين للتوصل إلى المفهوم. وهذان المقابلان هما (paradox ) و (irony ) ولنبدأ أولا بالمقابل (paradox). ترجم الدكتور "نوفل نبوف" بالمفارقة، وترجمها "كمال أبو ديب" في كتابه "الرؤى المقنعة" بالمفارقة أيضاً؛ وبمراجعة معجم أدبي وجدنا أن المفارقة تعني في الفلسفة: إثبات القول يتناقض مع الرأي الشائع في موضوع ما بالإسناد إلى اعتبار خفي على هذا الرأي العام حتی وقت الإثبات(کالين موکه، 1389 ، ص25) بعد هذه الإشارات الموجزة إلى ورود ترجمة بالمفارقة، نعود لنقول إنَّ الدكتور عبد الواحد لؤلؤة يقوم بترجمة كتابي "د.سي.ميويك"(irony) و (irony and the ironic ) وسمّاه "المفارقة"، و "المفارقة وصفاته". وقد عرف "ميويك" المفارقة تعريفاً أوليا بأنها "صيغة بلاغية تعبر عن القصد باستخدام كلمات تحمل المعنى المضاد. والمفارقة أخف من الهزء والسخرية لكنها أبلغ أثرا بسبب أسلوبها غير المباشر، لذلك يتطلب إدراكها ذكاء وحسا مرهفا"(ماکوين،1990: 95). وأشار إلى أن (هاكون شفالييه) يرى أن "الميزة الأساس في المفارقة تباين بين الحقيقة والمظهر"(میویک،1993: 45).
2-2. عناصر المفارقة التصویریة
و قد ذهب میوك إلی أنَّ للمفارقة خمسة عناصر هامّة تمیّزها:
1-تضادّ المخبر و المظهر: الذي يقوم على تظاهر المرء بخلاف ماهو عليه، فصاحب المفارقة يقول شيئاً لكنه في الحقيقة مختلفٌ تماماً، وهذا ما نلمسه مثلا في صدور الأبيات التي تمثل المظاهر الخدّاعة والزائفة لأولئك-الممدوحين- المستخفّين بالحق، في حين تمثل أعجازها الحقيقة الضامرة والمتوارية خلف أستار الرياء، فهم يُظهرون خلاف ما يبطنون. (میویک،1993: 46).
2-العنصر الکوميديّ: كذلك تقوم المفارقة على عنصر كوميدي يبرز من خلاله تضاد المفارقة بالألم المشوب بالكوميديا، فتتضارب فيه العواطف والأفكار في سخرية مُرّة تثير الضحك الذي سرعان ما يتلاشى على الشفاه.
3-الغفلة المطمئنة: وتعني انخداع الضحية واتصافها بالسذاجة الفكرية والقناعة البلهاء بمظاهر تتفاوت في درجاتها من الكبرياء والقناعة يصطنعها صاحب المفارقة متبجّحاً بعدم علمه إيّاها على وجه الحقيقة، فهي غفلة مصطنعة من الشاعر فعلية لدى الضحية. (rasmussen,2005:2 )
4- عنصر التجرّد: التجرّد القائم على اصطناع الشاعر(صاحب المفارقة) لصفات وأساليب معينة تتسم بالموضوعية والصفاء والجدّية والحيادية، متنصّلاً عنها فيبدو وكأنّ الأمر لا يعنيه.
5- العنصر الجماليّ: آخر العناصر في المفارقة وهو العنصر الجمالي في أكثر من صورة: في اكتمال الصورة الكلية المعتمدة على تحقيق أكبر قدر من التركيز والتكثيف، وفي استعماله للبناء الدرامي القائم على السرد القصصي. (أحمد غنيم، 1998: 240).
3-2. حیاة الأدبیة لبشری البستاني و أبي القاسم حالت
بشري البستاني هي شاعرة وناقدة وصحافية عراقية، ولدت في مدينة الموصل وتلقت فيها دراستها الابتدائية في المدرسة العراقية، والثانوية في المدرسة المعرفة واعدادية الموصل المركزية.(البستاني،2011: 645) ثم انتقلت إلى بغداد لتكمل دراستها الجامعية في قسم اللغة العربية بكلية التربية- جامعة بغداد، وعادت إلى الموصل بعد نيلها شهادة البكلوريوس بمرتبة الشرف لتعمل مدرسة لمادة اللغة العربية في مدارسها، ثم انتقلت بعد نيلها شهادتي الماجستير والدكتوراه بدرجة امتياز "مع التوصية بطبع الرسالة والأطروحة" انتقلت إلى التدريس الجامعي في كلية آداب جامعة الموصل وما تزال فيها نالت لقب الأستاذية في العام 1998 ولقب الأستاذ الأول على جامعة الموصل في العام 2000. وشاركت البستاني خلال مشوارها العلمي والثقافي في أعمال أكثر من خمسين مؤتمرا علميا في الجامعات العراقية والعربية وأكثرمن خمسين مؤتمرا ثقافيا وإبداعياعراقيا وعربيا وعالميا. كما مثّلت العراق في مؤتمرات علمية وإبداعية عالمية وعربية منها مؤتمر المرأة الدولي في براغ ومؤتمر الثقافة والفنون في ألمانيا ومؤتمر المبدعات العربيات في تونس وبيروت وعمان، وقد تناولتها موسوعة "أعلام الموصل في القرن العشرين" للدكتور عمر الطالب. عملت مدرسة اللغة العربية في اعدادية الموصل ودار المعلمات ومعهد المعلمين، ومديرة الاعدادية الكفاح حتى عام 1981. عملت أستاذة للأدب والنقد في كلية الآداب / جامعة الموصل 1985وما تزال تعمل فيها حتى الآن. أشرفت على الفعاليات الإبداعية للطلبة في تربية نينوى طيلة عملها فيها. شاركت في الأنشطة الثقافية للمنظمات الجماهيرية من خلال مسؤوليتها عن لجنة الثقافة والإعلام والفنون في الاتحاد العام لنساءالعراق 1974 - 1994. عملت عضوة في اللجنة المركزية للإشراف على الامتحانات الوزارية العامة في جامعة الموصل. مسؤولة لجنة الإشراف على الأنشطة الإبداعية الشبابية في الأدب بجامعة الموصل من عام 1989 وحتى الآن. ساهمت في تأليف أكثر من عشرة كتب في الأدب والنقد والاجتماع وحقوق الإنسان منها: كتاب ملتقى البردة، والمرأة والتنمية، وحقوق المواطنة، والمسرح في الموصل، وفي النقد الإسلامي، وستة كتب في ملتقيات مهرجان المربد الشعري ببغداد من عام 1996 – 2002. مستشارة في مجلتي آداب الرافدين، والتربية والعلم الأكاديميتين. رئيسة تحرير سلسلة "لأن" دراسات في اللغة و الأدب والنقد الصادرة عن مؤسسة "السياب" للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة – لندن، رئيسة تحرير مجلة "حروف" الالكترونية الصادرة عن مؤسسة السياب، محررة كتاب "التداولية في البحث اللغوي والنقدي" مؤسسة السياب. حاصلة على وسام العلم من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي مرتين و وسام الإبداع مرتين من وزارة الثقافة والفنون، وشارة المرأة الماجدة من الاتحاد العام لنساء العراق، فضلا عن أكثر من اربعين شهادة تقديرية من مؤسسات علمية وثقافية عراقية وعربية وعالمية .(البستاني،2011: 645)
إنَّ أبالقاسم حالت یلقّب بأبي العینک (1298-1371ش) شاعرٌ و مترجمٌ إیراني ولد في طهران سنة 1298 و بعد أن أکمل دراساته الإبتدائیة و المتوسطة اشتغل في شرکة النفظ الوطنیّة حتي أن تقاعد عنه. أبوالقاسم حالت تعلّم اللغة العربیة و قام بنشد الشعر سنة 1314 و له دیوان شعر الذي یستوعب قطعة الغزل و القصیدة و الریاعي و المثنوي. و کانت آثاره یشمل بالفکاهیات، دیوان أبوالعینک، دیوان خروس لاری، دیوان شوخ، گلزار خنده، پروانه و شبنم.(احساني اصطهباناتي،1400: 31)
3- أنواع المفارقة التصويريّة عند بشری البستانی و أبوالقاسم حالت
و يلاحَظ أنّ «ميوک» قد نظر في تقسيمه لأنواع المفارقة و ضحيّتها و جعلها بناءًا علی ذلك عدة أنواع أهمّها المفارقة اللاشخصيّة، و مفارقة الاستخفاف بالذات، و مفارقة الفجاجة، و مفارقة الکشف عن الذات، و مفارقة التنافر البسيط، و المفارقة الدراميّة، و مفارقة الأحداث. حيثما قسّم علي عشري زايد أنماط المفارقة إلى طبيعة الطرفين المتناقضين، و جعلها بناءًا على ذلك شکليين أساسيّين، و هما المفارقة ذات الطرفين المعاصرين و المفارقة ذات المعطيات التراثية (أحمد غنيم،1998: 239). و نحن نوضّح في هذه المقالة بعض أنواع المفارقة في أشعار بشری البستانی و أبوالقاسم حالت حسب تقسیماته:
1-3.المفارقة اللاشخصية
هي طريقة في اتخاذ المفارقة لاتستند إلى أيّ وزن يمنح لشخصيّة صاحب المفارقة حدثًا يخفي نفسه وراء قناع الکلمات، فکلماته وحدها أو تعارض تلک الکلمات مع ما نعرف، تنتج المفارقة، و هو يتميّز عادةً بجفاف أو صرامة في الأسلوب، و تکون النبرة نبرة متکلّم عاقل ينطلق علی رسله متواضع غير عاطفيّ(غنیم،1998: 240). عندما یستتر صاحب المفارقة خلف قناع کلماته المعارضة للواقع المألوف،حيث نرى کثرة هذا النوع من المفارقة في أشعار العربي و الفارسي و يلبس الشاعر قناعًا و يخفى وراءه و يودع لکلماته المتناقضة مع الواقع یکشف ما يصوّره من المفارقات و من ذلك قول بشری البستانی التي تستتر البستاني خلف کلماته التهکمیّة:
«طه ..
مَا أنزَلنَا علیکَ النَارَ لِتَشقَی
هَذا بَلَدٌ آمنٌ ...
زَرعُوا فیه لَهیباً، / لکن ظَلَّ یُقَاوِمُ
زَرعُوا فیه الحَنظلَ / لکن طَلَعَ النَرجِسُ
کَتبَ الطُلابُ بِدَرسِ المَنهَجِ
نَحنَ الأعلُونَ ...» (البستانی، 2011: 231)
أو في قصیدة أخری نشاهد وجهاً آخر من المفارقة اللاشخصیة:
«أغمَضُ عَینَیکَ تمرّنُ، نِم
موسیقِی عَصرکَ هذي یَا وَلَدی ...
في الوَطنِ العَرَبي/ أمریکَا أهدَتکَ صَوارِیخَ وَ دَبّابَات
وَ رَصاصَاً أهدَتکَ وخَامَاً أبیَضَ
یُصلِحُ في کُلِّ الأوقاتِ
أمریکَا أهدَتکَ قَذائِفَ یُورَانیُوم
کَی تَعقَمَ / کَی تَتسممَ
قَالَ الطِفلُ / مَامَا أکرَهُ أمریکَا» (البستاني،2011،ج3: 227)
إنَّ الشاعرة تجسّد في هذه الأبيات، المفارقة بشکل جيّد و قد لبست البستاني قناعاً و تخفي نفسها وراء الکلمات و ترکت لکلماتها المتناقضة مع الواقع أن تکشف عمّا تصوّره من مفارقات. و کانت البستاني يرینا التضادّ بين المظهر و المخبر و هو ميزة رئيسيّة في المفارقة و منها التناقض بين «أهدی» و «صواریخ و دبّابات» و حینما یقول: أمریکَا أهدَتکَ صَوارِیخَ وَ دَبّابَات. و المفارقة بين أجزاء الشعر واضحة حيث يهتمّ الشاعر أن يهيّج عواطف شعب العراق بالسخريّة المريرة و التناقض الصارخ بينهم و الواقع العربيّ و هذه الکلمات المتناقضة تکشف ما يصوّره من المفارقات و يبقي أعمق أثر في الکلام و يبدو واضحًا أنّ الشاعرة تسعی أَن تبقی في ذهن المتلقّي أکثر من الصورة للواقع، التناقض مع الإعلام و التصريحات القائمة علی الادّعاء.
و هکذا یتحدّث أبوالقاسم حالت عن الذي یتجلّی فیه المفارقة اللاشخصیة حیث یخفی الشاعر نفسه وراء القناع و الکلمات الّتي هي لم تعرّف قصدَه من الجملات و الکلمات المتوخّاة، و یدور الکلمات حول التناقض الذي یلاحظ بینها. هکذا نشاهد هذه المفارقة في قصیدة «دروغ شاخدار»:
امروز، این کشور بود، در خرمی رشک جنان |
| اعضاء دولت سر بسر، هم کار کن هم کاردان |
کما یلاحظ في الأبیات المذکورة یلبس الشاعر قناعاً لیبقی مجهولاً و یخفي نفسه وراء الکلمات و یعبّر عما یرید و یجسّد الشاعر الظرائف السیئة التي تقضي فیه الإیران و کانت أعضاء الدولة یشتغلون کثیراً و هذا الکلام التهکمیّة و السخریّة و إنّ هذه صور التناقض من المفارقة اللاشخصیّة من منظور نفسي تنمّ عن حالة الشاعر تحت وطأتها فرسم لنفسه صوراً یتجسّد فیها الیأس و القنوط و الفشل أمام اللصوص الإیرانیة التي تنصبون في مناصب الحکومیة.
2-3.مفارقة الاستخفاف بالذات
هي طريقة في اتخاذ المفارقة التصويريّة، يلبس فيها صاحب المفارقة قناعًا ذا أثر إيجابيّ في هيأة تقمّص شخصية، حيث يحمل نفسه إلی المسرح في شخص امریء جاهل، سريع التصديق، جادّ، مفرط في الحماس، يعمل على التقليل مِن قدر نفسه مستغلاًّ ما يعطيه من انطباع عن نفسه ليکون جزءًا من وسيلة المفارقة (أحمد غنيم،1998م: 241). و قد وظّف أبوالقاسم حالت و بشری البستاني هذه الطريقة في التصوير عمّا أراداه عدّة مرّات، و منها قول البستاني في قصيدة :
«وَ بیتيَ کانَ علی وَشَکِ النَومِ
الیاسَمینُ غَفَا... اَلسَروُ کانَ سَیغفُو
وَ فَزَّ الحَنینُ إلی نَخلِ أهلِي
لِضَربِ الرّقابِ
وَ شَدّ الوثَاقِ
لِضَربٍ بِلا فِدیةٍ،
فَمتَی تَضعُ الحَربُ أوزَارَها
عُشبُهَا في العیونِ ثَوی مَاؤهُ
عُشبُهَا في ظُهورِ الخیولِ» (البستاني،2011: 340)
في هذه القصيدة تخفي الشاعرة نفسها وراء قناع الکلمات و تصوّر صاحب المفارقة أي البستاني نفسه في شخص امريء ساذج، سريع التصديق، مقلّلاً من قدر نفسها و قومها، و هناك يوصل نفسه إلى أعلی مراتب الجهل و الإفراط في السذاجة و تبدو الحيرة و الدهشة لمن قرأ شعره و هذه السذاجة تنتج المفارقة و تکشف عن فظاعة الواقع العربيّ و عن هولاء الرؤساء اللّذین يخضعون لعمليّة الاستعمار و الاستثمار في بلادهم و هذه العلمیة من وراء الکلمات الرمزیة.
و من هذا المنطلق نری أبوالقاسم حالت أیضاً یتحدّث عمّا یرید و یستخدم هذا العنصر الإبداعي لبیان الظلم و الفساد المسیطر علی مجتمعه بید انجلیزیین. ویحذو شعبه حذو الضلالة، وهناک مکان یحاصره ملامح الرکود و الخمود و الموت، و الشاعر یخفي نفسه وراء القناع و یتکلّم ممّا یطلب ولکن یقع نفسه کشخص سریع التصدیق - الذي لیس له غیر الإعتراف بما یقوله – و جاهل مفرط في الحماسة في نهایة الأمر یقلّل من قدر نفسه لیکون جزءاً من المفارقة، و منه قول حالت فی قصیده "دست غیب".
دست غیبی است درین ملک که صد کار کند |
| ره زند راه برد، زور دهد، زار کند |
إنَّ الشاعر يستفيد من نمط مفارقة الاستخفاف بالذات وهو يتطرّق فيه بعمل الإنسان والشدائد والنعمات التي ترتبط بذلک العمل حيناً يواجه بالتاج والعطاء الوافر و حيناً آخر يواجه بالمصائب والمشاکل وهذه المفارقة ذو علاقة وشيجة بين عمل الإنسان ووصول إلی العطايا.
3-3. مفارقة التنافر البسيط
تعتمد هذه المفارقة علی وجود تجاور شديد بين قولين متناقضين، أو صورتين متنافرتين من غير تعليق، و قد برع الشاعر في توظيف هذه المفارقة في أکثر من موضع في قصائده، و البستاني یصوّر هذا المفارقة بسذاجة عندما یقرأ القارئ یفهم غرض الشاعر منه و إنَّ الشاعر یجسّد التناقض و التنافر بین الکلمات بالعبارات القلیلة و البسيطة (أحمد غنيم، 1998م: 245). من ذلك قوله في قصيدة « سِیدّتِی ... / مَریکةٌ وَظیفةُ الدَلیلِ..»:
مَحرُوقَةٌ أصَابِع الازمیلِ/ الشَوکُ فَوقَ تاجُ امرَأةِ العَزیزِ..
یُنبِئُ عَن عَاصِفَةِ تلُوحُ..
وَ شَاهدِ مَجرُوحِ
یُوسِفُ في الجَبِّ أم السِیَدةُ المَلیکةُ
تَبحُثُ عَن أریکةِ
لاثِنینَ.. مَأخُوذینَ بِالوَجدِ وَ بِالقَطیعَةِ
یُوسِفُ .. أم أصَابعُ العَذرَاءِ
تَرفَعُ عَن غَمَامَةِ المَسَاءِ
رِدَاءَهَا» (البستانی،2011: 89)
حيث صوّر الشاعر التناقض بین (دوز و کلک) و (صدق و صفا) و یعتقد بأن الانسان لم یقدر علی النجاح و التنمیة دون أن یسیر سبیل اللصوص و الریاء و یشجّع القارئ بهذا السلوک و هذه صورة تهکّمیة و سخریة التي یعانی عکس ما یقوله.و هذا التنافر واضح بين قولين متناقضين. یوظّف حالت المفارقة بصورة بسیطة و ساذجة أیضاً کما نری في الأبیات التالیة، و یستخدم الشاعر هذا العنصر الفني لإبراز مما یرید من صراحة القول و سذاجته مباشرة دون أي اختفاء المقصود.و إنَّ أبوالقاسم حالت في قصیدة یصوّر المفارقة الساذجة بین کلام یتحدّث عنه الحکومیون:
بیا بیا که شویم آشنای دوز و کلک |
| کنیم صدق و صفا را فدای دوز و کلک |
کذلک یتحدّث حالت في مکان آخر حول هذه الصورة من المفارقة البسیطة الّتي تکوَّن کلامه في قصائده العدیدة مملوءً بهذا العنصر الفنّي.حیث یبدو هذان الترکیبان المتناقضان «دوز و کلک» و «مشکل گشا» بدیعین و لهما جاذبیة رائعة؛ لأنّ الحکومة في الحقیقة تعتبر المکافح المسئول لتهریب المخدّرات و بینما صارت الحکومة نفسها ذات أفیونٍ و تنفع أو تخسر في معاملاتها. و هذا الأمر یوجد المفارقة الفادحة الّتي هي تخالف ذاتیات کلّ حکومة و نظام في العالم.و هکذا لم یصبح اللصّ سیّداً و الشاعر استفاد من المفارقة الساذجة.
4-3. المفارقة الدرامية
و لما کانت المفارقة الدراميّة تشکّل عماد المسرح فهذا لا يعني اقتصارها على الجانب الدراميّ فحسب، فهي قد ترد في الملحمة و الشعر القصصيّ، و تقوم على جهل الضحيّة بالموقف الّذي هي فيه، و تبدو المفارقة الدراميّة أبلغ أثرًا إذا ما کان کلّ من المتلقّي «الجمهور و القارئ»، و شخص آخر في التمثيليّة أو القصّة على وعي بجهل الضحيّة غير الواعية لما يصدر عنها من کلمات تناسب الموقف الحقيقيّ الّذي لا يعين، و هذا اللون من المفارقة ندرکه في المغزى القصصيّ الدراميّ الّذي وظّفته البستاني؛ أنَّ بشری البستاني تخاطب الجنرالات الأمریکي اللذین ینهبون العراق :
«الجنرالاتُ الأمریکان
سرقوا ملیاري دولار
ثمناً للأعمار
بعراقٍ لایملک (شیتَ) دواءٍ واحد
لأنین الأنقاض و أورام الأسلاکِ
و لا حفنةَ نور للظلمات
الجنرالات الأمریکان ...
فرّوا بجلود القرصان ...
استیقظ یا وطني ...
طال الإغماءُ ...
فنبضک تحتَ السماعةِ کان سلیم» (البستاني،2011: 236)
انَّ الشاعرة وهي تحاول ان ترسم لنا صورة لبشاعة هذه الحضارة فانها تسعى الى ابراز كل ما يعزز هذا المشهد المأساوي، عبر حركة الفعل الشعري (تدور)، اذ تشكل الشاعرة من الفعل المضارع منظومة من المعاني المتعددة التي تضفي نشاطا حركياً مكثفاً لصورة اللازمة الشعرية، والشاعرة وهي تصور لحظة تاريخية حاضرة، فانَّها تستحضر ماضيا أليما عبر سلسلة من الانتكاسات التي تعرضت لها الأمة فی تاريخها الطويل ، فالفعل (تدور) يضعنا أمام صفحة من احتلال بغداد على يد التتار ، وبدوران عجلة التاريخ التي لا تهدأ عادت هذه الحروب مرة أخرى:
«ثانية يوغل هولاكو في قمصان المدن التعبي
ثانية يقطع هولاكو
شريان الحبر الأسود ...
هولاكو يترصدني ...
يقطع رأسي، يودعه في صندوق مقفل ...
يرميه في البحر
يدور البحر اللعبة ترتد على نحر البارجة الأمريكية ...» (البستاني،2011: 8)
إن هولاكو من خلال الأفعال التي نسبت اليه يصير يد الأمريكي الشرير ، بينما تتكثف إرادة شعب كامل وملايين أمة غفيرة لتصير ذاتا تمثل المجموع هي الذات الشاعرة ، أن همجية التار التي قتلت وعبثت ودمرت وحاولت قطع شريان الحضارة الانسانية في بغداد (شريان الحبر الأسود) ، لم تنته بانتهاء احتلال التتار لبغداد ، ذلك أن عجلة التاريخ بقيت تدور القرون كثيرة على الأمة ، تحمل حقداً متوارثاً فمرة ترفع راية الحروب الصليبية، ومرة الاستعمار، ومرة تأتي لتعلن راية التحرير ونشر التقدم والاستقرار ، اللعبة نفسها ولكنها بأسلوب جديد وبنوايا متعددة ، وأهداف اکثر دماراً.
المتهم الضحيّة هناك هو شعب العراق و هم لايدرون سبب هذا الدمار و انتداب بلدهم، و الجنرال الأمریکي يقوم بما يشتهي من سرقة و لصّ، و سيامة الخسف إلی الشعب، و يطلب الجنرال قتل الشعب عمّن یرید، و الشاعرة تعدُّ جمهورَ العراق عبيداً و عيشهم في بوار و هلاکة، و عندما یستمرّ البلد في الدمار و ضيق ملک يبني لنفسه القصر الشامخ و وهوب من البلاد و نقود الحکومة.کلّ هذه المفارقات سلسلة من الأحداث الدراميّة الّتي تحدث في هذا المسرح القصصيّ.و الشاعرة طوال هذه القصيدة تقوم بالهزوء و السخريّة و تصوّر البستاني في ذهن المخاطب عدّة من المفارقات المتتالية الدراميّة ليوقع أثرًا عميقًا في المخاطب.
یحیی أبوالقاسم حالت في القصیدة « دروغ شاخدار» صورة حیّة من الأوضاع الأقتصادیّة السیئة التي سیطرت علی الإیران و کانت السوق و المجلس تشبه بالورطة ولکن الشاعر یجسّدها في صورة درامیّة مرّة:
از بهترین بنگاهها، تثبیت قیمت ها بود |
| تا آن زمان کاین سازمان، فکر لباس ما بود |
کما نلاحظ أنَّ الشاعر قد وظّف قصيدة في صورة درامية من وضع الإيران في ذلک الزمن وکان الکذب والإرتشاء هو المحور الرئيسي للمجتمع حيث تسرّب هذا العمل السيئ في أنحائه.وفيما نری في القصيدة أنّ أبالقاسم حالت يرمز بمفردات مختلفة (گرگ/ پالتو) و هي دالّ علی العدوّ والتملّق في إطار درامي.
5-3. المفارقة ذات المعطيات التراثيّة
شاع في شعرنا العربيّ الحدیث في المرحلة الأخیرة بناء المفارقة التصویریّة عن طریق استخدام بعض معطیات التراث لإبراز التناقض بینها و بین بعض الأوضاع المعاصرة. المفارقة التصويريّة ذات المعطيات التراثيّة تقنّیة فنّيّة تقوم علی إبراز التناقض بين بعض معطيات التراث و بين بعض الأوضاع المعاصرة، و هي تقوم علی أنماط ثلاثة، منها المفارقة ذات الطرف التراثي الواحد و المفارقة ذات الطرفين التراثيّين، و المفارقة المبنيّة علی النص التراثيّ (أحمد غنيم،1998م: 253).إنَّ بشری البستاني تشیر إلی إجراء العدالة و الإنتصار الذي یحقّق في الوطن العربي و تطمح الشاعرة نظرها إلیه، و ذلک الیومٌ تصبحون الأحرار بعیداً عن القیود و الإستثمار:
أسیاد قریشٍ سدّوا أبوابَ الساحةِ
لکن مرّ محمدُ بالرایة
إذ تسقطُ عیناکَ
علی شرفةِ روحي
یموج العرشُ و تنکشف الأسرار..
و یجئُ الفجرُ بحلّةِ صوتِکَ
أخضر، أزهرَ، نورانيَّ
و تزهو ثانیةً، في قمم الوطن العربيِّ» (البستاني،2011: 337-338)
إنَّ مفهوم الوطنية لا يختلف عن مفهوم القومية اختلافاً كبيراً، لانَّ حب الوطن بالطبیعة یشتمل المواطنين الذين ينتمون الى ذلك الوطن، كما أن حب الأمة يتضمن الأرض التي تعيش عليها تلك الأمة، من هنا كان التقارب واضحا بين مفهومي الوطنية والقومية:
من بابلٍ تتصاعد الألواح
نحو قیامة الموت المجید
من بابلٍ ترقی الحجارةُ
نحو تاج الأفق
عبر سواعد النخل العتید
من بابلٍ بدأ الخلیلُ،
و خطّ في سفر الحقائق:
فاعل، متفاعلن
و رمی الرقائق،
و الحرائق
و الرقی ....
فلیبدأ العزفُ العظیم ...
هذا الضلالُ نشیدنا نحو الهدی
هذا الضلالُ المستحیلُ ...» (البستاني،2011: 225)
فالشاعرة هنا تؤكد على رمزية التواصل والخلود من جهة وعلى حوارية انسان هذه الأرض مع السماء باستلام الرسالة وتبليغها من خلال تصاعد الألواح التي هي رمز للرسالة هذا السلاح الذي يقف حائط بوجه الأعداء دون الغناء والانكفاء، وهنا نجد أنفسنا أمام تداخل نصي من خلال مفردة (الألواح) بقوله تعالى: ﴿وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ﴾(الأعراف: 145)، وكذلك حضور عملية المفارقة الحاصلة في (قيامة الموت المجيد) فكيف يكون الموت مجيدة وهو موت؟ فثمة فارق نوعي بين الموت العادي وبين الموت المجيد هذا الموت الذي يسمو إلى أعلى مقامات الانبعاث الحضاري... فتأكيد الشاعرة هنا على هذا الموت ما هو الا دليل على رمزية هذا الموت ورمزية أبعاده من خلال تكرار لفظة (بابل) المرتبطة بعنوان القصيدة بوصف العنوان " العتبة الأولى لفهم النص أو البهو الذي تدلف منه إلى دهاليز نتجاوز فيها مع النص عوالمه الممكنة، إذ هو البؤرة المركزية التي لا يمكن الاستغناء عنها في توضيح دلالته واستجلاء معانيه، فالشاعرة تهدف إلى بث شعرية المفردة (بابل) من خلال استنطاقها لكينونتها عبر علاقات منظومة الدوال والمداليل لتفعيل الأثر الحسی
کان هذا نوع من المفارقة قلّما نراه في دیوان أبي القاسم حالت کما نشاهده في الابیات التالیة الشاعر یدعو الناس في عدم الحیاء في المجتمع الإیراني و کذلک التسؤل و کلّما الأعمال دون أهمیّة بین الشعب:
گر به شهرت پایبندی خودستائی را بچسب |
| از حیا کردن، حیا کن، بی حیائی را بچسب |
کما نلاحظ أنّ الشاعر يأتي بکلمات تخالف الواقع ويقول و يقصد عکس ما يتحدّث عنه في المفارقة: عليک أن تلتصق بالعجب وعدم الحياء و قصد الشاعر ابتعاد عن هذين الأمرين ولکن يمزجهما بالتهکّم والسخرية حتّی ترکوها.
أمّا المفارقة ذات الطرف التراثيّ الواحد ففيها یقابل الشاعر بین الطرف التراثيّ و الطرف الآخر المعاصر (عشري زاید، 2008م: 138). و من ذلك قصيدة «الفقر و السقام» الّتي يقول فيها:ترکب الذات الشاعرة صوراً لغویة فیها تلمیح تاریخي لترسم الحاضر العربي المليء بالخیانة بسرد احداث الماضي:
«و شریفهم في اللیل
یضرب کفه / ماذا سنفعل دونما تتر
همو و عدوا سیأتون العشیة
والعلقمي إذا تأخّر
من سنعطیه مفاتیح القضیة
یختص تاریخ الرماح
علی ظهور علوجهم
ترتج احذیة التتار
علی سفوح جباههم
یا ویل ماضیهم من الآتي ...»(البستانی، 2011: 17)
إنَّ السخریة هنا من التخطیط لفعل الخیانة تصل بالنصّ حدّ المرارة اللاذعة إذ تجتهد الذات الشاعرة في هذا المقطع لتأسیس تناصّ عبر الترکیب المنزاح بألم، إذ تضیف عبر تمظهرات الاشارات النصّیة المشتغلة علی المفردة التاریخیة و بلاغتها رؤیتها الرافضة من خیانة القائمین الحالیین المرموز الیهم ب (شریفهم) لتبرز المسکوت عنه بشعریة مفعمة بالرفض و الألم من الذین یملکون مفاتیح قضایا الأمة ولکنهم بدل الحفاظ علیها یسلمونها هدیة للاعداء (والعلقمي إذا تأخر / من سنعطیه مفاتیح القضیة) کما فعل العلقمي الوزیر عام 656هـ. عن سابق اصرار و ترصد.
إنَّ بشری البستاني تشیر إلی إجراء العدالة و الإنتصار الذي یحقّق في الوطن العربي و تطمح الشاعرة نظرها إلیه، و ذلک الیومٌ تصبحون الأحرار بعیداً عن القیود و الإستثمار:
«أسیاد قریشٍ سدّوا أبوابَ الساحةِ
لکن مرّ محمدُ بالرایة
إذ تسقطُ عیناکَ
علی شرفةِ روحي
یموج العرشُ و تنکشف الأسرار..
و یجئُ الفجرُ بحلّةِ صوتِکَ
أخضر، أزهرَ، نورانيَّ
و تزهو ثانیةً، في قمم الوطن العربيِّ» (البستاني،2011: 337-338)
إنَّ الشاعر قد وظّف الصورة المفارقية مستخدماً من التراث و هو (قريش/ محمّد (ص)) ويشير إلی واقعة تاريخية في زمن النبي (ص) ويستفيد بتجربته الشعرية عوناً لتشکيل الصورة المفارقية هکذا نلاحظ أنّ بشری البستاني ينشأ المفارقة ذات معطيات التراثية والمعاصرة.
4-النتائج:
نلخّص ممّا تقدّم أنَّ المفارقة التصويريّة عند أبوالقاسم حالت و بشری البستاني لها نتائج الهامّة الّتي فیما یلي:
- تتشکّل المفارقة التصویریة عندهما من التجارب الحياتيّة و الصراعات السياسيّة الّتي يشترکان فيها و هما یران في أنفسهما تجاه بلاد العراق و إیران دورًا هامًّا و هو الصحوة الشعبيّة إزاء المستعمرين و من هذا المنطلق یتمتّعان أبوالقاسم حالت و بشری البستاني من هذا العنصر الفنّي لکي ینتقل الی الشعب مضامینهما ضدّ الإستعماریة في عهد الصدام و البهلوي بشکل السخریة و التناقض.
- و الهدف القریب للمفارقة هو ایهام القارئ بأنّ المراد هو المعنی القریب الظاهر في حین أنّ المعنی المراد بعید و مستتر، و بذلک یتحقق الهدف الحقیقي للمفارقة و هو ادهاش القارئ و تحفیزه علی تأمل النصّ و اعمال الفکر و الحواس للوصول إلی مرامي المنشئ.
- و قد تبيّن من محاولة دراسة هذه التقنّیة من تقنّیات القصيدة الحديثة، مدی و غنی و روعة ما يحاولان کلا الشاعران أن يوفّرانها لتجربتهما الشعريّة من أدوات فنّيّة لا حدود لقدرتها علی الإيحاء و التصوير. و قد نمت هذه الظاهرة في شعرهما فهي ظاهرة فنّيّة في لغة القصيدة الحديثة يستخدمانها ابوالقاسم حالت وبشری البستاني لإبراز التناقض بين طرفين متقابلين بينهما نوع من التناقض.
- لقد أرادا أبوالقاسم حالت و بشری البستاني من خلق المفارقة و جعلها دیدن أشعارهما التعبیر عن سخطهما من الواقع العربي و الفارسي الألیم و إبداء السخریة و التناقض منه لما آل إلیه الواقع العربي و الفارسي من ضعف و استکانة، و جهل و حبّ المال حتّی لو کان علی حساب وطنهما و النّاس، و أرادا أن تکون أشعارهما صرخة بوجه کلّ ما یؤخر نهوض أمتهما، و یجعلانها أمّة إنسانیة متحضرة تعید لأنفسهما مجدها عبر قیمها الّتي نشأت علیها مع التفاعل الحضاري و التطوّر الحاصل في العالم.و قد لانبالغ إذا قلنا إنّ عددًا قلیلاً من الشعراء یستطیع التعبیر عن المواقف الفاجعة بطریقة ساخرة و مقنعة و مؤثّرة، فالمفارقة بحاجة إلی شاعر واعٍ فطنٍ یستطیع ان یستلهم من مواقف مجدّدة مواقف متباینة، و أن یصل إلی عقل المتلقّي و وجدانه بطریق وعر لایجید سلوکه إلاّ الواعون و لیست السخریة غایة بحد ذاتها ولکنها وسیلة لبلوغ إلی هدف نبیل، و لیست کل سخریّة مفارقة، فالسخریّة المبتذلة و الساذجة و المتهافتة لا مکان لها في عالم المفارقة.
المصادر
إحساني اصطهباناتي، محمد أمين؛ عنايت اله شريف بور، محمدرضا صرفي، (1400)، تحلیل مربع تنشی طنز در فرایند نشانهمعناشناسی شعری از ابوالقاسم حالت، مجلة البحوث الشعرية لجامعة شيراز، العدد 47، صص 29-46.
أحمد غنيم، کمال (1998). عناصر الإبداع الفنّيّ في شعر أحمد مطر، القاهرة: مکتبة مدبولي، الطبعة الأولی.
البستاني، بشری (2011)، الدیوان، عراق: منشورات البستاني، الطبعة الأولی.
عشري زايد، علي (2008).عن بناء القصيدة العربيّة الحديثة، القاهرة: مکتبة الآداب، الطبعة الأولی.
حالت، ابولقاسم ، (1370)، دیوان خروس لاری ، چاپ چهارم، تهران: سنایی.
کالين موکه، داگلاس (1389).آيروني، ترجمة: حسن افشار، طهران: نشر مرکز، الطبعة الأولی.
ماکوین، جون (1990)، الترمیز، ترجمة: عبدالواحد لؤلؤة، بغداد: دار المأمون
میویک ،دي.سي (1993).موسوعة المصطلح النقدي؛المفارقة وصفاتها، ترجمة: عبد الواحد لؤلؤة، المجلد الرابع، بیروت: المؤسسة العربیة للدراسات و النشر، الطبعة الأولی.
A. S. Horny, oxford Advanced learners Dictionary, Tehran: Daneshpazhoh.
rasmussen, joel (2005) between irony and witness, new york: t&kclark.
[1] - دکتوراه فی اللغة العربیة و ادابها، مدرسه بجامعة فرهنگیان
[2] - استاد مساعد بجامعة پیام نور
[3] - D.C. Muecke
[4] - Thomas Stearns Eliot